1/11/2022

مشوار محمد منير من عمق النوبة لقشرة المنتجعات

 

يعبر المغني عن مجتمعه ، يتحول بتحولاته ويتغير بتغيره ، هل يغير المجتمع الفنان أم على الفنان أن يسعى للعكس ؟ فكما جاء علي لسان سيد درويش فنان الشعب ” “حينما يكون الوطن في حالة ثورة ، فالفنان الذي لا يُسخّر فنه لتلك الثورة هو فنان (فالصو)” [1] ، كيف تأثر محمد منير بالتغيرات السياسية والمجتمعية والاقتصادية التي عايشها منذ بدايته وحتى يومنا هذا. 

بدأ محمد منير مشواره الغنائي بألبوم  أمانة يا بحر عام 1977م والذي تبدو فيه بصمات ثلاثة من مكتشفيه وهم الشاعر عبد الرحيم منصور والذي كان مشهوراً في ذلك الوقت بسبب تعاونه مع الموسيقار بليغ حمدي ، والملحن أحمد منيب ، والملحن والموزع هاني شنودة.

الألبوم يبدو منشغلاً بفكرة الغربة التي شغلت المصريين في السبعينات ، فبعد انفتاح السادات سافر الملايين من المصريين للخارج وخاصة لدول الخليج النفطية بحثاً عن لقمة العيش ، وهو ما جعل الكثير منهم مهمومين بفكرة الغربة التي لم يعتدها كشعب إعتاد الاستقرار على ضفاف نهر النيل ، فجاء الألبوم الذي كان اسمه في البداية “أمانة يا بحر” مليئا بأغنيات الغربة والسفر “علمونى عنيكى أسافر .. علمونى أفضل مهاجر” لأغنيات “ايه يا بلاد يا غريبة ” و”قول للغريب” و “امانة يا بحر” ، وكما يروي الفنان هاني شنودة  في لقاء تليفزيوني لم يحقق الألبوم نجاحاً يُذكر ولكن بعد نجاح ألبوم “بنتولد” قامت الشركة المنتجة بإعادة طرحه في الأسواق بإسم “علموني عينيكي”.

جاء الألبوم الثاني لمنير “بنتولد ” خطوة للأمام حيث تنوعت فيه توزيعات “هاني شنودة ” والتي يمزج فيها بين إيقاع المقسوم الشرقي وموسيقى الجاز والروك ، وانضم لعبد الرحيم منصور شاعرين شابين هما مجدي نجيب وسيد حجاب ليعبرا عن مشاكل شباب السبعينات الوجودية ، مثل الموت والميلاد ومعنى الحياة وعن مفردات جديدة للحب في أغاني مثل “أكلم القمر” و”مدي إيدك” ، وأشكال الحرية والانطلاق في أغاني “حلي ضفايرك” و”بافتح زرار قميصي ” ، كان هذا الألبوم بداية لمغني جديد يغني للحياة وللفلسفة والحرية ويغني للحب بمفردات ومعاني وموسيقى جديدة ، وهي الأغاني القريبة من روح أغاني الفرق الموسيقية المصرية  التي لاقت رواجاً في السبعينيات مثل فرقة المصريين لمؤسسها هاني شنودة وطيبة لحسين ومودي الإمام.

“شبابيك” الثمانينيات تصنع نجما جديدا

مع بداية الثمانينيات كان المجتمع يبدأ عصراً جديداً ، رئيس جديد يأتي بعد  عبد الناصر والسادات ، بداية جديدة تفاءل فيها المجتمع بعصر يمزج بين الحرية والعدالة الإجتماعية بعد عصر من انفتاح اقتصادي أصاب المجتمع بشروخ عديدة ، مجتمع استعد لاستقبال نجوم جدد وبخاصة في مجال الغناء بعد رحيل النجوم الكبار مثل عبد الحليم حافظ وظهور موجة قوية من الغناء الشعبي بزعامة أحمد عدوية وكتكوت الأمير يفتح  منير شبابيك جديدة يمزج فيها الألحان النوبية بالموسيقى الغربية التي انتشرت في مصر في السبعينيات.

يأتي ثالث ألبومات محمد منير”شبابيك” والذي تعاون فيه مع شركة إنتاج جديدة هي سونار والتي اضافت لمنير المزيد من الاهتمام والدعاية حيث وصلت للإعلانات التليفزيونية ، كان أبرز ما في هذا الألبوم النقلة الموسيقية التي قدمت مزيجاً من الموسيقى المصرية وموسيقى الروك والبلوز، مزيج جديد ولكنه في نفس الوقت ليس صادما لمستمعين شباب يبحثون عنه منذ سنوات ووجدوا ضالتهم فيه ، ليصنع هذا الألبوم نجماً جديداً في عصرٍ جديد ويأتي معه جيل جديد من المطربين ، علي الحجار ومدحت صالح ، ويرى منير  في لقاء في برنامج “حوار صريح جدا” أن رائد هذا الإختلاف هو الفنان محمد نوح باختلافه وخروجه عن شكل المطرب التقليدي.

انضم منير بعد ذلك لشركة اشتهرت بتوزيع الألبومات الأجنبية وهي شركة ساوند أوف أمريكا ، ليبدأ معها مرحلة جديدة مختلفة بألبوم “شيكولاتة” الذي افترق فيه عن فرقة “يحيى خليل”  بعد خلافات كبيرة عن كون كل منهما هو صاحب ذلك المشروع الغنائي الحقيقي وعوضاً عن ذلك استعان فيه بموزعين مصريين شباب مثل طارق مدكور وعماد الشاروني وفي الجانب الغربي استعان بفريق ألماني موسيقي لتوزيع الأغنيات ، وكان ضمن هذا الفريق عازف العود والجيتار الألماني “رومان بونكا” الذي سوف يستمر مع منير حتى اليوم ، كان “شيكولاتة” يحتوي على الجديد في من تعاملوا مع منير مثل الشاعر عبد الرحمن الأبنودي والملحن كمال الطويل وهو ما كان بمثابة اعتراف من جيل الكبار بمنير .

محاولة فاشلة للاعتزال بعد سقوط حائط برلين

في نوفمبر 1989م جاء سقوط  حائط برلين وما تلاه من إنهيار الإتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الشرقية بمثابة صدمة للكتاب والمثقفين المصريين ، وبخاصة أصحاب التوجهات اليسارية والقومية ، وقد أثر ذلك على المناخ الفني الذي شاهد فكرة السوق الحر وهي تنتصر في مقابل فكرة الفن الملتزم المسيس.

أما منير فقد أعلن عن نيته الإعتزال وقام بإصدار ألبوم ” مشوار ” في شكل شريطين كاسيت يعيد فيهما توزيع أغانيه القديمة ، لم يلاق الألبوم رضاء جمهور منير الذي فضل التوزيع القديم للأغاني ، بينما برزت في الألبوم أغنية جديدة وهي “ابن ماريكا” التي يحذر فيها من الوقوع تحت سيطرة أمريكا وإسرائيل فكانت الأغنية السياسية الأكثر مباشرة في مشواره ، كان من الواضح أن التهديد بالاعتزال هو مجرد إحتجاج على مناخ موسيقي سيطرت عليه الموجة الشبابية بقيادة حميد الشاعري ، وتراجع فيه الإهتمام الإعلامي بمنير وجيله لصالح أغاني خفيفة لا تقدم مضموناً حقيقياً .

دخل منير بعدها مرحلة جديدة  في التسعينيات بتعاونه مع المنتج عمرو محمود ” شركة ديجيتك ” ، وهو موزع وملحن ايضا ، بدأ منير من خلال هذه المرحلة النظر إلى الجمهور الشبابي الجديد ، فنجد في ألبوم “ممكن” أغنيتين مصنوعتين لهذا الجمهور هما “الليلة ديا” و “نظرة واحدة” الشهيرة ب “مش كل كل ولا أي أي” ، كانت الفكرة هي جذب الجمهور الجديد من خلال أغنيتين راقصتين ثم إستكمال الألبوم بأغان متميزة تنتمي لتجربة منير الحقيقية مثل “ممكن ” للشاعر مجدي نجيب و “برج حمام” و “شتا” للشاعرة كوثر مصطفى ، وحققت التجربة المطلوب منها وهو تحقيق النجاح التجاري لألبوم  أغلبه غير تجاري.

كرر منير التجربة مع عمرو محمود في ألبوم “من أول لمسة” ، وبدأ منير في تجربة سوف تستمر معه طويلاً وهي إعادة غناء وتوزيع أغان قديمة معروفة أحياناً ومجهولة أحياناً ليقدمها مرة أخري، فكانت البداية مع أغنية شادية “يا حبيبي عودلي تاني ” مناسبة جداً لمنير لأنها من السلم الخماسي الذي تعتمد عليه الموسيقى النوبية والسودانية ، وصولاً لأغنية فايزة أحمد ” لقيتك فين ” وقد غناها باسم ” اللي غايب ” عام 2019م . 

وفي ألبوم “الفرحة” آخر ألبوماته مع شركة “ديجيتك” يتجه منير بشكل أكبر للأغاني التجارية ، وفي هذا الألبوم يبدأ منير في تجربة أخرى هي إعادة تقديم التراث في أغنية “يا لالالي” ، ورأى البعض إعادة التراث والأغاني القديمة بمثابة إفلاس لمنير الذي لم يجد جديداً يقدمه ، بينما رأى البعض الآخر في ذلك إثراء تجربة منير واستفادة من تراثنا الغنائي .وفي تصريح عن تجربته مع الأغنية الفلكلورية لجريدة البيان الاماراتية يقول المطرب محمد منير ” إنه وجد نفسه في وسط غنائي سيئ للغاية، وإن كل من يستطيع فيه أن يقول «يا ليل يا عين» يقوم بإصدار ألبوم غنائي ، فقرر الخروج من هذا المنعطف، واختار الفلكلور النوبي في البداية، وشعر أن عشاقه يتجاوبون مع هذا اللون، فقام بتعميم التجربة في عدة ألبومات “

عصر رجال الأعمال والمنتجعات السكنية

مع الألفية الجديدة  تدخل مصر عصر الإستهلاك بقوة ، فهو عصر الليبرالية الإقتصادية الجديدة وسيطرة رجال الأعمال على نظام الحكم و عملية الخصخصة وبيع القطاع العام والهاتف المحمول، عصر المنتجعات السكنية والمراكز التجارية ومجتمع يعلي من قيمة الإستهلاك ويضعها في المرتبة الأولى.

يأتي التحول الكبير لمحمد منير عندما يتعاقد مع المنتج نصر محروس صاحب التجارب التجارية الناجحة جداً ، ليتحول منير من صاحب مشروع فني لتجربة تجارية يكون لنصر فيها اليد العليا ، وقد حققت بالفعل التجربة نجاحا تجاريا لم يعتده منير ،وأضافت لمنير جيلا جديدا من المعجبين صغار السن ، ولكنها أفقدته الكثير من إعجاب جمهوره القديم الذي كان يجد في منير تجربة تبتعد به عن الأغاني السائدة المكررة ، فيقوم منير بتقديم الأغنية الفولكلورية “نعناع الجنينة”  بتوزيع راقص يعتمد على الإيقاع لتصبح الأغنية مناسبة للأفراح والـ D.J ، متحولاً لمطرب “عاطفي” تقليدي يطلب السماح ويداعب النسيم ، وهي الصورة المضادة لصورة منير القديمة كمغني لطالما رفض الشكل العاطفي المعتاد.

استمرت حيرة منير بين التجاري والفني في ألبوماته التالية  “أحمر شفايف ” و “امبارح كان عمري عشرين ” و “طعم البيوت ” وأخيرا “يا أهل العرب والطرب” ، ليقدم ألبومات لا يجد فيها محبي منير المختلف إلا القليل من الأغاني التي يمكن لها أن تعيش وأن تنضم إلى قائمة الأغاني العظيمة الماضية ، وفي نفس الوقت لم يستطع منير التجاري الوصول للنجاح الذي حققه مع نصر محروس ، و تحول منير لرمز تجاري كامل بقيامه باعلانات متعددة لشركات المحمول ، وصولا لقيامه بعمل أغنية دعائية كاملة ينتجها منتجع سكني تدعو للإستمتاع بالحياة من داخل الكومباوند وهي “افرح بالحياة ” .


وتنتقل حفلات منير من دار الأوبرا التي كانت بمثابة تجمع لمحبيه من كل الطبقات ، لحفلات البحر الأحمر والساحل الشمالي ، لجمهور القرى السياحية والمنتجعات ، تزامناً مع ظهور موجة من أغاني الأندر جراوند التي حققت نجاحاً مع الشباب الباحث عن صوت ونوع جديد للموسيقى , فأصبحت فرق مثل “وسط البلد ” و “مسار إجباري ” و ” كايروكي” عنوانا للموسيقى البديلة ، وتراجعت أغاني منير الجديدة في المنافسة مع أغاني ذات معان وموسيقى جديدة و مختلفة ، ليتحول منير إلى مغني تقليدي مقارنة بالفرق الجديدة ، ويدور الزمن على المغني الذي كان متمردا مقارنة بالكلاسيكيين المعاصرين له مثل هاني شاكر ومحمد الحلو.

في عام 2019 كانت هناك محاولة لإصدار ألبوم جديد لمنير بعنوان “وطن” من إنتاج شركة “قنوات” ولكن يبدو أن عدم الإقبال الجماهيري على الأغنيات من خلال موقع اليوتيوب قد جعل الشركة تعيد النظر في استكمال طرح باقي الأغنيات ، وهو الألبوم الذي كان مقرر صدوره بعد غياب 6 سنوات لمنير عن ساحة الألبومات .

تبدو تجربة منير/ 65 عاماً الواعدة جداً في نصفها الأول والمحبطة في نصفها الثاني دليلاً على مدى تأثر المغني بفكرة الإنتاج ، والمقصود هنا ليس الإنتاج بالمعنى المادي فقط ، ولكن الإنتاج الذي له دور في وضع رؤية للمطرب والاستعانة بفريق عمل يقوي من مستوى العمل الفني ، ومدى تأثر المغني بالتغيرات السياسية والاجتماعية التي قد تدفع المغني الى طرق لا يحبها تتوزع نتيجة ما وصل له منير بين شركات الإنتاج وبين منير نفسه الذي أراد الحصول على النجاح الفني والتجاري معا ، وقد يتحقق ذلك في بعض الوقت ولكن في أوقات أخرى عليك أن تختار فنك بصرف النظر عن الإغراء التجاري .

[1]

1/08/2022

مصطفى محرم : مسلسل الحاج متولي مستوحى من السيرة النبوية

  مفارقة درامية تليق بإحدى نصوصه، توفي السناريست مصطفى محرم في شهر رمضان الذي شهد في سنين سابقة ذروة نجوميته الدرامية التي لم يدرك مثيلها في السينما رغم إنجازه 90 فيلمًا لها، وربما يمنح مسلسلي لن أعيش في جلباب أبي وعائلة الحاج متولي اللذان كتب السيناريو لهما خلودًا لاسمه يتجاوز سنين كثيرة مقبلة.

مصطفى محرم



لكن أكثر ما يميز محرم، الذي بدأ مشواره السينمائي مبكرًا بعد تخرجه من قسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب، هو الاهتمام بالنص الأدبي ومحاولاته المستمرة تقديم معالجات تناسب الصورة السينمائية أو التلفزيونية وتجتذب في الوقت نفسه جمهورًا جديدًا غير جمهور الكلمة المكتوبة، فبعد تخرجه في الجامعة، انضم محرم لـجمعية الفيلم ثم لجنة القراءة في مؤسسة السينما التي كان يديرها المخرج صلاح أبو سيف، قبل أن يتخذ خطوة جادة نحو دراسة الفن بالالتحاق بقسم السيناريو في معهد السينما، وهي عناصر ساهمت مجتمعة في إثراء الحصيلة الثقافية للكاتب الذي اقترن اسمه بروائيين بارزين نقل نصوصهم إلى السينما والتلفزيون.

في البدء كانت الكلمة

جاءت بداية محرم الفنية بتحويل مسرحية علي سالم أغنية على الممر لنص سينمائي أثار الإعجاب والانتباه وحاز على جوائز دولية، ولعل ذلك ما زاد من حماس السيناريست الشاب للاهتمام بمعالجة النصوص الأدبية ليصبح فيما بعد كاتب السناريو الأكثر تعاملًا مع الأدب المصري، حيث إنه قدم معالجات بصرية لروايات نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي وثروت أباظة وإسماعيل ولي الدين ونجيب الكيلاني.

على الرغم من ظهوره الأول من خلال فيلم "غير جماهيري" أو "مستقل" بمعايير السينما الحالية، فإن التغيرات السياسية والاجتماعية دفعت بمصطفى محرم نحو أشكال أكثر جماهيرية دون أن يقع في فخ الخفة، وهو ما تعكسه سلسة أفلامه مع نبيلة عبيد المأخوذة عن روايات إحسان عبد القدوس التي تعاون فيها مع المخرجين أشرف فهمي وحسين كمال، مثل لا يزال التحقيق مستمرا وأرجوك أعطني هذا الدواء، وهي أعمال ساهمت في صناعة نجومية عبيد، وأثارت في الوقت نفسه اهتمام منافستها نادية الجندي، لتستعين بمحرم في صياغة خلطة شعبية تشمل الصعود الطبقي والانتقام والجريمة، في أفلام مثل الباطنية وشهد الملكة ووكالة البلح والخادمة، وتكشف كذلك عن ذكاء محرم في التعامل مع النص الأدبي، على اختلاف مستوياته الإبداعية، فإسماعيل ولي الدين، الضابط السابق، والكاتب الذي اشتهر برواياته ذات المبيعات الضخمة، يكاد يتناقض مع الأدب المحفوظي المشغول بالأسئلة الوجودية، ولكن محرم اختار من الكاتبين ما يناسب وجهة نظره، فـالباطنية التي يغلب عليها الطابع البوليسي، تكاد أجوائها تقترب من عالم شهد الملكة، وهو إحدى فصول ملحمة الحرافيش، من حيث اعتمادهما على قصة الصعود الطبقي لامرأة معدمة.



الطابعان الاجتماعي والتجاري لم يستحوذا وحدهما على إنتاج صاحب لن أعيش في جلباب أبي، حيث إنه شارك في موجة السينما الواقعية مع المخرجين عاطف الطيب وعلي بدر خان من خلال فيلمي الحب فوق هضبة الهرم للأول وأهل القمة للثاني، اللذان ينتقدان سياسة الانفتاح الاقتصادي وما صاحبها من تغيرات اجتماعية وسياسية ذات تأثير سلبي على الفرص والظروف الاقتصادية للشباب، وهو الهم نفسه الذي شغل محرم في فيلم حتى لا يطير الدخان لأحمد يحيى.

لكن ذلك النجاح الفني لمحرم، الذي استمر حتى التسعينات، تأثر مثل غيره من السينمائيين بالأزمة الإنتاجية التي واجهتها السينما خلال الحرب بين العراق والكويت، التي أدت إلى نقص كبير في عدد الأفلام المنتجة سنويًا في مصر، و مع حدوث انقلاب السينما الجديدة بفيلم إسماعيلية رايح جاي في عام 1997 تراجع نشاط مصطفى محرم السينمائي واتجه مع جيله من النجوم لوسيط آخر هو الدراما التليفزيونية.

النجاح على طريقة عبد الغفور البرعي

لم يكن محرم الذي اتجه لكتابة السيناريو في نهاية التسعينات جديدًا على التليفزيون، فكما يروي في كتابه حياتي في التليفزيون، بدأ مشواره مع الكتابة للدراما بالتمثيليات القصيرة للتليفزيون المصري في الستينيات، ثم بعض المسلسلات من إنتاج ستوديوهات الخليج وتونس في السبعينات، أبرزها مسلسل ابن خلدون الذي اضطلع بدور البطولة فيه نور الشريف، وعرض في الدول العربية لكنه مُنع في مصر لاعتراض الأزهر على إظهار السيناريو، الذي كتبه محرم، جوانبًا سلبية في شخصية ابن خلدون، في حين اعتبره الأزهر شخصية دينية لا يصح إظهارها في صورة انتهازي يتكالب على السلطة، كذلك لم يسلم المسلسل من الرقيب الذي اعترض على جملة حوارية وردت على لسان صديق لابن خلدون يقول فيها "مصر منكوبة بحكامها". حسبما يشير الكتاب.

غير أن النجاح الدرامي الفعلي جاء متأخرًا لمحرم، تمامًا مثل إدراك الثروة الذي حدث متأخرً أيضًا لبطله الأبرز عبد الغفور البرعي، ففي منتصف التسعينيات عرضت المنتجة ناهد فريد شوقي عليه فكرة تحويل الرواية القصيرة لإحسان عبد القدوس إلى مسلسل تليفزيوني، بسبب نجاح معالجاته السينمائية لروايات عبد القدوس، وطرحت كذلك أسماء لبطولة المسلسل مثل محمود عبد العزيز ويسرا ومعالي زايد، لكن محرم كان مقتنعًا أكثر بنور الشريف ومعالي زايد، لأن جمال يسرا في رأيه سيجعل من الزواج بفقير مثل عبد الغفور أمرًا غير منطقي، وكان حسن حسني هو المرشح لدور المعلم سردينة، لكن تم استبعاده لمغالاته في أجره، وبينما كان محرم متخوفًا من اختيار عبد الرحمن أبو زهرة للدور وغير متحمس كذلك لترشيح عبلة كامل لاحقًا لدور فاطمة، كان المخرج أحمد توفيق واثقًا من اختياراته التي أثبتت نجاحها مع العرض، وكأن محرم في هذه الحالة الأخيرة ناقض بطله بعيد النظر في رهاناته على المكسب.

ويصف محرم نجاح المسلسل بأنه قد "زلزل عروش كتاب كانوا يظنون أنه ليس هناك مثلهم من قبل أو بعد"، حسبما يقول في الكتاب، في إشارة واضحة لأسامة أنور عكاشة ملك الدراما التليفزيونية في ذلك الوقت.

الفن بناء

يلاحظ المتلقي عند المقارنة بين رواية عبد القدوس الورقية ونسختها الدرامية، أن مصطفى محرم أبقى على الهيكل الرئيسي للرواية ولكنه أجرى عليها تعديلات كثيرة جعلت النص المصور أكثر جاذبية للمزاج الشعبي منه للمتلقي الذي اعتاد رومانسية عبد القدوس، فحوَّل شخصية عبد الغفور البرعي لنموذج مثالي يتوحد معه الجمهور، بينما تبدو الشخصية في الرواية ذات وجوه أخرى، فهو لا يكتب بعض أملاكه باسم بناته من أجل تأمين مستقبلهم بل للتهرب من الضرائب، وهو متهم بالبخل ممن حوله، وابنه عبد الوهاب لا يعود إليه مثلما يحدث في النهاية التليفزيونية، بل يبقى كما هو حائر ومتخبط بعد فشل زواجه الأمريكي، أما نظيرة فتقيم علاقة مع صديق شقيقها في شقته الخاصة، فشخصيات الرواية تبدو أكثر قربًا من الحقيقة بتناقضاتها وحيرتها، لكن محرم يفضل مغازلة جمهور المسلسلات والابتعاد عن مشكلات الرقابة بتقديمه النهاية السعيدة التي يعود فيها الابن المتمرد ليعمل مع والده العصامي صاحب قصة النجاح التي ستتحول لحلم يداعب الطبقات الطامحة للصعود.

"الفن ليس مجرد فكرة، وإنما الفن بناء"، هي جملة قالها نجيب محفوظ لمصطفى محرم، لتتحول إلى عقيدة فنية بالنسبة له، حيث إن أي فكرة قابلة للمعالجة الجديدة مهما جرى تناولها من قبل كثيرًا، فالعبرة لديه بالمعالجة الدرامية والبناء الجديد والمختلف، كما يتضح في معالجته السابقة لـلن أعيش في جلباب أبي، وتكرر معه عندما نفدت منه الأفكار وطلب منه المخرج محمد النقلي إعادة تقديم مسلسل الساقية، لعبد المنعم الصاوي مرة أخرى، ومع قراءة محرم للرواية لفت نظره أن العمدة بطل الرواية متزوجًا من أربع نساء، ليقرر تقديم الفكرة ولكن بشكل مختلف عن أجواء المكائد والكراهية المعتادة بين الزوجات، ويقرر قراءة كتب عديدة عن حياة الأنبياء وأجزاء السيرة النبوية المتعلقة بزوجات الرسول، وبعد معاناة عصيبة استوحى فكرة المسلسل الأساسية من السيرة النبوية وقصص زواج الرسول، بحسب ما يشير في سيرته الذاتية.ال

ومع اقتناع نور الشريف بالمسلسل بدأت ترشيحات الأدوار الأخرى ومنها دور الزوجة الثانية حيث كانت عبلة كامل مرشحة له، ولكنها كانت مشغولة فذهب الدور لماجدة زكي، ويبدو محرم قاسيًا مع الممثلات والممثلين الذين يرفضون العمل معه، فيصف معالي زايد بأنها الأقل قيمة وحجمًا في النجمات اللاتي عملن معه، وذلك ردًا على اعتذارها عن القيام بدور الزوجة الثالثة بنت البلد، بسبب صغر مساحة الدور، كما سخر من ندى بسيوني، المرشحة لدور الزوجة الرابعة لطلبها زيادة مساحة دورها وكتابة اسمها بعد نور الشريف، قائلًا إن سعاد حسني كانت أكثر تواضعًا منها، كذلك يصف محمد نجاتي بأنه كان يتكلم كمارلون براندو أو آل باتشينو عند عرض دور ابن الحاج متولي عليه ليحصل مصطفى شعبان على الدور.

.. غير قابل للنقد

ما بدا في تعليقات محرم الساخرة يظهر كخصلة تلازم شخصه، فهو لا يحتمل بشكل أو آخر أي انتقاد لأعماله، فبعد نجاح لن أعيش في جلباب أبي، لم يتقبل السناريست النقد الشديد لمسلسل رد قلبي الذي قدمه بعده بعامين عن رواية يوسف السباعي، وهاجم الفيلم ووصفه بالسذاجة والخطابية والمبالغة في الأداء والمشاهد الميلودرامية التي تليق بمسرح يوسف وهبي، وهاجم من انتقدوا المسلسل باعتبارهم غير متخصصين وأن النقد الفني قد أصبح مهنة كل من هب ودب.

الأمر نفسه يظهر مع عائلة الحاج متولي، فبعد نجاحه جماهيريًا يكتب محرم في كتابه عن حياته في التلفزيون، إن المسلسل "قضى على شهرة أي مسلسل منذ بداية عصر المسلسلات التليفزيونية حتى وقتنا هذا"، مستشهدًا بحرص بعض الشخصيات العامة على الإشادة بالمسلسل مثل منى عبد الناصر ورفيق الحريري الذين حرصا على مقابلته وتهنئته، ويهاجم في الوقت نفسه من انتقدوا المسلسل باعتباره يروج لتعدد الزوجات، فيصف أحدهم بـ "رئيس أحد الأحزاب اليسارية الفاشلة" و يهاجم عضوات المجلس القومي للمرأة اللاتي طالبن بمنع المسلسل لأنه وفقهم يهدم ما بناه المجلس في سنوات.

انشغال ثقافي أم محاول لإرضاء الجمهور؟

تبدو علاقة محرم الوثيقة بالثقافة الأدبية وقراءاته الغزيرة في مجالات النقد والشعر الإنجليزي وترجمة الكتب النقدية ومعرفته بالأدب الكلاسيكي، و حفاظه في الوقت نفسه على الروح الشعبية والجماهيرية في أعماله مثيرة للتأمل، فهناك من كان يرى تناقضًا بين الثقافة واجتذاب الجمهور، وهناك من رأى أن ثقافة الكاتب لا ينبغي أن تمنعه من إرضاء الجمهور بأعمال تجمع بين حرفة السيناريو الجيدة والانتشار، وقد أجاد محرم اللعب على الثيمات التي لا يمل منها الجمهور مثل ثيمة "الصعود" التي استخدمها في أفلام نادية الجندي وحققت نجاحًا ضخمًا في لن أعيش في جلباب أبي، وكذلك ثيمة صراع النساء على رجل واحد كم في فيلم دانتيلاـ و مسلسل عائلة الحاج متولي.



ويمكن اعتبار الانشغال بالأدب ملمحًا رئيسيًا في مشوار مصطفى محرم، فجملة محفوظ المتعلقة بالبناء تجاوزت إلهامه تحويل النص الأدبي إلى سينما أو دراما إلى إعادة بناء أفكاره التي سبق وأن قدمها، فحوَّل الباطنية لمسلسل، وكذلك قدم معادلًا أنثويًا لـعائلة الحاج متولي في زهرة وأزواجها الخمسة التي قامت ببطولته غادة عبد الرازق، قبل أن يعود ليقدم في نهاية مشواره عملًا جديدًا لافتًا ومقتبس أيضًا من كتاب هو مسلسل ريا وسكينة المأخوذ عن كتاب رجال ريا وسكينة.

هل كان مصطفى محرم باعتماده على الأدب يراهن على قدرته الجمع بين القيمة الأدبية للنص الأصلي وتقديم ما يؤثر في شريحة كبيرة من الجمهور؟ ربما يجيب على ذلك السؤال أعماله نفسه التي تصمد في مواجهة الزمن وتقلب الأذواق، لكن الأكيد أنه برحيل مصطفى محرم تكون الدراما قد فقدت آخر الثلاثة الكبار في الكتابة للتليفزيون، بعد ما رحل وحيد حامد منذ شهور قليلة، وسبقهما أسامة أنور عكاشة منذ سنوات طويلة.

نًشر في موقع المنصة

1/04/2022

لميس الحديدي ..نسخة أنثوية أنيقة من عمرو اديب

 


بعد غياب دام لأكثر من عام تعود لميس الحديدي للمشهد الاعلامي على قناة العربية (الحدث) ببرنامج "القاهرة الآن" , بعد أن تركت قناة cbc ,وكما ذكر موقع مدى مصر فلقد كان الاستغناء عنها بسبب رفضها الانضمام لقناة اون تي في ,تعود لميس من خلال قناة سعودية هذه المرة ليصبح كلا الزوجين عمرو أديب ولميس الحديدي يعملان بتمويل سعودي من خلال قناتي mbc مصر والحدث , وهو ما يعني أنهما يقدمان المحتوى الاعلامي الملائم للسعودية والامارات وبالتالي مصر  , وهو ما يبدو واضحا في تغطية الأزمة الليبية فالانحياز الكامل لخليفة حفتر ووصف قواته بالجيش الوطني الليبي , ونزع الشرعية عن فايز السراج واعتبار حكومته غير شرعية واتفاقاته غير ملزمة للشعب الليبي , واستضافة رئيس مجلس النواب الليبي الموالي لحفتر ,وكذلك في مهاجمة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان باعتباره خصم في الأزمة الليبية وأيضا كصاحب مشروع  توسعي ينحاز فيه لجماعات الاسلام السياسي , وهو المشروع المضاد لمشروع الامارات والسعودية الرافضين لاي تواجد لجماعات الاسلام السياسي في المنطقة والعمل على التخلص منهم بكل الوسائل وأولها القوة العسكرية .

خلطة عمرو أديب

تبدو خلطة برنامج القاهرة الآن مشابهة لبرنامج عمرو أديب "الحكاية" فهي الخلطة المتنوعة بين الفن والسياسة والقضايا المجتمعية والفقرة الدينية ,,فالجمهور قد مل من السياسة وخصوصا السياسة الداخلية التي قد ماتت تقريبا ,فلا بد من اضافة عناصر أخرى محببة مثل الفن والرياضة وقضايا المجتمع , يبدو الاختلاف بين برنامجي لميس وعمرو في عدم وجود فقرة المطبخ في برنامج "القاهرة الآن" فلميس تقدم صورة المرأة الرشيقة الأنيقة وهو ما يتعارض مع ما يقوم به عمرو أديب من التهام مكثف واشتهاء للطعام .

لميس الحديدي وعمرو أديب

يظهر التشابه بداية من اسم البرنامج "القاهرة الآن" وهو مماثل لبرنامج عمرو أديب الشهير الذي كان يقدمه على شبكة أوربيت السعودية "القاهرة اليوم" ,كذلك الاستعانة بنجوم الفن كعامل جذب للبرنامج مثل كريم عبد العزيز وأحمد مراد وهند صبري واياد نصار وفي كثير من الأحيان هم نفس النجوم الذين يظهرون في برنامج عمرو اديب مثل رانيا يوسف ودرة وكذلك نجوم المال والأعمال مثل الشقيقين سميح ونجيب ساويرس الذين تربطهم علاقة جيدة بعائلة أديب , كذلك تركز لميس الحديدي على القضايا الاجتماعية ومنها قضية "التحرش" وعلى الرغم من أنها تقف الى جانب المرأة وترفض فكرة لوم الضحية بشكل واضح ,الا أنها عند تعرضها لحادث التحرش الأخير في المنصورة والقبض على متهمين  اتضح أنهم ليسوا من قاموا بالجريمة , شككت في دوافع الفتاتين لنفي التهمة عن المتهمين وقالت أنهم ربما قد تعرضوا للضغوط , ولم توجه اللوم للشرطة التي قصرت في حماية الضحايا ولم تكن متواجدة , ثم لم تقم باحضار المتهمين الحقيقين وقامت بالقبض العشوائي على أبرياء .كذلك تحاول لميس الحديدي اضفاء لمحة كوميدية للبرنامج من خلال استضافتها لشخصية "ابلة فاهيتا" وتتبادل الشخصيتان استضافة بعضهما البعض في برامجهما , مما يفيد "ابلة فاهيتا " في استضافتها لاسم كبير والسخرية من برنامجه وضيوفه , ويفيد لميس في اضافة جزء ساخر وضاحك لبرنامجها ,كما يفيدها في ظهورها بمظهر واسعة الأفق المتقبلة للسخرية من برنامجها .كذلك يقع البرنامج في مشكلة تكرار الضيوف مع برنامج عمرو أديب كاستضافة سمير غطاس الذي ظهر مع عمرو ثم ظهر مع لميس وكاستعانتها بعماد أديب شقيق زوجها باعتباره محللا سياسيا .ولا يخلو البرنامج من وجود فقرة دينية ولكنها بالطبع هي فقرة لتكريس سلطة المؤسسة الدينية واعتبارها محتكرة للدين  والاستعانة بها لمهاجمة تيارات الاسلام السياسي كما يحدث في استضافة لميس لمفتي الديار المصرية

أيضا تقوم لميس ببعض المعارضة المحدودة جدا كتغطيتها لحادث وفاة طبيبات المنيا واعتبار وزارة الصحة قد أخطات وتسببت بتعنتها في الحادث ,واستضافة أقارب المتوفيات للتعبير عن مشاعرهم وغضبهم , وهو ما يبدو السقف المتاح للمعارضة في برامج "التوك شو" المصرية . كما تستخدم لميس النبرة السلطوية المؤيدة للنظام في التعاطف مع الكمساري الذي يقوم بتهديد الراكب بعمل محضر له ثم يترك الراكب ليقفز من القطار المتحرك , بقولها أن على الكمسري القيام بعمله وتلقي اللوم على الراكب الذي فضل الموت بدلا من الذهاب للسجن ,وتقع لميس في نفس خطيئة عمرو أديب بنشر اعترافات مصورة لمتهمين في قضية "خلية حلوان " , وهو ما قام به عمرو أديب أثناء مظاهرات 20 سبتمبر الماضية عندما قام بعرض اعترافات مصورة لبعض الطلبة والاجانب المتهمين بالمشاركة في المظاهرات ثم تم الافراج عنهم , وهو ما أثار انتقادات كبيرة لمهنية برنامج عمرو أديب .

أناقة لميس 

برغم التشابه بين برنامجي  عمرو أديب ولميس الا أن الفارق الحقيقي يكمن في اداء كل منهما , فعمرو اديب هو الذكر المصري الشعبوي صاحب الصوت العالي والضحكة العالية والسخرية والمحب للنساء والطعام , أما لميس الحديدي فهي الأنثى الأنيقة صاحبة الأداء الهاديء -قد يعلو صوتها أحيانا ولكن ذلك استثناء - المناصرة للمرأة وقضاياها والمعجبة بالرجال الوسيمين والسيدات الجميلات الأنيقات.

من خلال مشاهدات اليوتيوب يبدو التفاعل مع برنامج "القاهرة الآن" متوسطا وضعيفا في بعض الأحيان ويمكن تفسير ذلك بعدة اسباب , أولها عرض البرنامج على قناة غير معروفة بالمرة للمشاهد المصري , فاذا كانت هناك نسبة من المشاهدين المصريين تعرف قناة العربية , فان نسبة ضئيلة جدا تعرف قناة الحدث وتضع ضمن مفضلاتها في القنوات الفضائية .وثانيها بعد البرنامج عن السخونة سواء بمعنى الفضائحية واثارة التشاحن - مدرسة وائل الابراشي - أو بمعنى تناول قضايا ساخنة تهم المشاهد بقوة ويتم طرحها بطريقة جديدة وشيقة , ايضا يمكن ملاحظة عزوف المصريين عن برامج التوك شو بشكل عام وذلك منذ عدة سنوات , بسبب حالة الركود السياسي التي تشهدها مصر , أما السبب الأهم فهو تشابه كل البرامج والتزامها بأفكار موحدة يتم فرضها على البرامج جميعا .

تعود لميس الحديدي ولكن تأثيرها الذي تمتعت به في السابق لم يعد كما كان فأجواء الحرية وسخونة الأحداث هي ما تدفع برامج التوك شو للقيام بدورها في استعراض الآراء المختلفة وانتقاد النظام ومهاجمة السلبيات , وتغذية وعي المشاهدين ,أما أجواء موت السياسة فانها تقضي على شعبية البرامج وتجعل المشاهد غير مبال بمن حضر أو غاب .


1/03/2022

مش هاغني (ناصر) يا بنت الكلب

 


من عدد تذكاري لمجلة الاذاعة و التليفزيون بمناسبة 50 عاما علي انشاء التليفزيون هذه القصة الطريفة ترويها المذيعة ثريا حمدان , حيث كانت تقدم برنامج مع عائلة الزعيم الافريقي لومومبا اللي كان بيحارب الاستعمار البلجيكي في الكونغو، واللي مصر وقتها كانت بتساعده ضمن استراتيجية دعم حركات التحرر في افريقيا ، زي نكروما في غانا اللي أصبح أول رئيس لغانا بعد الاستقلال واتجوز مصرية اسمها بقى فتحية نكروما،المذيعة لاحظت انشغال ابناء نكروما بصورهم علي المونتير و قيامهمم بعمل حركات فاشارت لمدير الاستوديو باطفاء المونتير , ففوجئت بالابنه الصغيرة تقول لها علي الهواء (مش هاغني لك ناصر يا بنت الكلب )

1/02/2022

"هيبتا" روايات التنمية البشرية.. هروب مريح من الواقع

 

من باب جانبي في القاعة يحتشد فيها المستمعون، يُدخل المحاضر ويتخذ موضعه وراء مكتب الصغير، مواجهًا جمهور أغلبه من الفتيات والسيدات. وبعد فترة ارتباك قصيرة يخيِّر المحاضر جمهوره بين خيارين؛ إما اتباع الأساليب العلمية في إلقاء محاضرته، أو اللجوء لدردشة مُبسَّطة حول موضوع المحاضرة، وهو العلاقات بين الجنسين، وكيفية إيجاد الحب.

بهذا المشهد تفتتح رواية “هيبتا” للكاتب محمد صادق، التي صدرت طبعتها الأولى في يناير 2014، لتحتل فور نشرها صدارة مبيعات معرض الكتاب ذاك العام، ويستمر نجاحها حتى أنه جرت إعادة إصدارها في عشرات الطبعات، وتحولت إلى فيلم سينمائي ناجح يحمل الاسم نفسه. وبمجرد صدورها ومع نجاحها الكبير انقسمت الأراء حولها، فبينما احتفى بها جمهورها، وجدها نقاد كثيرون رواية ضعيفة أو متوسطة المستوى على أفضل تقدير. لكن كحال الروايات الأفضل مبيعًا عمومًا وفي مصر بشكل خاص، آراء النقاد لا تعني شيئًا للقراء أصحاب القوة الشرائية، ولا للمشاهدين الذين جعلوا الفيلم المأخوذ عن الرواية يتصدر إيرادات موسم العرض.

يبرر محبو الرواية نجاحها بإغراقها في الرومانسية واستخدام عناصر تشويق ذات طبيعة سينمائية في سرد أحداث فصولها السبعة. ولكن في رأيي، فإن نجاح الرواية مؤسس على قدرة مؤلفها على صياغتها وتقديمها بشكل يستثمر تراثًا طويلاً – وإن كان حديث العهد زمنيًا- من ظهور محاضرات وكتب “التنمية البشرية”، وقيمها الخاصة بوجود مدرب حياة life coach، يساعد الناس على اكتشاف الإيجابيات و”إيجاد قوتهم الداخلية” واستثمارها لإنجاح علاقاتهم الشخصية، باستخدام تقنيات تحمل عناوين مثل “البرمجة اللغوية العصبية” و”تطوير القدرات الذاتية” و”الفكير الايجابي” وغيرها.

ما قبل هيبتا

بدأ ظهور “التنمية البشرية” في العالم العربي في الثلث الأخير من القرن الماضي، أي في نفس الفترة التي بدأت فيها كتب التنمية الذاتية تتصدر المبيعات في العالم. انتقل “التريند” للعالم العربي عبر ترجمة بعض الكتب الأمريكية الناجحة، وعلى رأسها الكتاب المؤسس لديل كارنيجي How to stop worrying and start living، الذي انتقل للعربية بعنوان “دع القلق وابدأ الحياة”.

ترافق هذا مع ظهور ونجاح أحد أعمدة هذا المجال في العالم العربي، وهو إبراهيم الفقي. وبحسب الفيلم الذي صدر عن حياته وعمله في هذا المجال بموافقة أسرته، فإن إبراهيم الفقي قد يكون هو من أدخل هذا المفهوم إلى العالم العربي، بعد نجاح كتابه الأول الصادر عام 1986.

نجاح إبراهيم الفقي أدى لظهور كثيرين احترفوا هذا المجال. ووجد الدعاة الجدد الذين علا نجمهم في نهاية التسعينات في أساليب التنمية البشرية منجمًا ينهلون منه في طريقهم الجديد، الذين كانوا يخاطبون فيه نفس جمهور إبراهيم الفقي: شباب الطبقة الوسطى الباحث عن تغيير وخلاص فردي، قد يكون طريقه إليه التنمية البشرية، أو الدين، أو خليط يجمع بين الاثنين.

أسلمة التنمية البشرية

محاضرة للداعية عمرو خالد

مع نهايات التسعينيات وبدايات الألفية الجديدة، بدأت ظاهرة “الدعاة الجدد” في الظهور والنجاح. مثّل هؤلاء الدعاة -وعلى رأسهم وقتها عمرو خالد- مزيجًا جديدًا من الدعوة الإسلامية والتنمية البشرية، مقدمين منظورًا للإسلام يشجع فكرة التركيز على النفس وتنميتها عبر تبنِّي “الأخلاق الإسلامية” مستلهمين نموذج الخلاص الفردي وتغيير الشخص من نفسه، طارحين الإسلام طريقًا للنجاح والحصول على الثروة، دون التعرض للسياسة أو الثورة أو طرح أفكار تستهدف تغيير المجتمع ككل، وهو ما لاقى هوى في نفوس الطبقة المستهدفة من خطاب مدربي التنمية البشرية، وزملائهم من الدعاة الجدد.

ومع تراجع دور الدعاة الجدد مع ثورة 25 يناير، وظهور حركة مجتمعية مناقضة لفكرة الخلاص الفردي، وما صاحبها من تغيرات كبيرة في السياسة والفكر؛ خبا نجم الدعاة الجدد لبعض الوقت، لكنه عاد للتألق مع تراجع السياسة في ظل النظام الحالي مع بعض التغيير، فتبنى عمرو خالد التنمية البشرية بشكل كامل، وابتعد عن الموضوعات الدينية التي قد تزعج النظام أو الفئات الاجتماعية المؤيدة له، فلم يعد الداعية الذي تسبب في حجاب العديد من فنانات ومذيعات مصر يذكر الحجاب في حديثه، وأصبح تركيزه على القصص الإيجابية التي تحفز من يسمعها للإحساس بالتفاؤل والتمسك بالأخلاق. وهي الفكرة التي تتبناها الدولة كما يظهر في كلمات رئيس الجمهورية التي يحرص على أن يذكر فيها أهمية الاخلاق واحترام الكبار.

كما يمثل عمرو خالد نموذجًا لنشر الافكار الإيجابية والإعلام الإيجابي الذي ينشر روح التفاؤل وتنادي به الدولة على لسان كبار مسؤوليها. ويتبعه في نفس الطريقة مصطفى حسني.

التنمية البشرية في الأدب

يتذكر عديدون بحنين وإيمان أو بسخرية لاذعة، تلك العبارة الشهيرة التي خطها الروائي بهاء طاهر في ترجمته للخيميائي “الكنز في الرحلة”.

لم تكن رواية هيبتا التي بدأنا بها حديثنا هي العمل الأدبي الوحيد، ولا حتى الأول الذي يتبنى قيم وأساليب التنمية البشرية ويستثمرها في الكتابة. فمع النجاح الكبير لكتب ومحاضرات التنمية الذاتية في الغرب، ظهرت رواية “الخيميائي” لباولو كويللو.

يتذكر عديدون بحنين وإيمان أو بسخرية لاذعة تلك العبارة الشهيرة التي خطها الروائي بهاء طاهر في ترجمته للرواية “الكنز في الرحلة”.

حققت الرواية نجاحًا كبيرًا. وتحولت معها هذه العبارة إلى واحدة من أشهر العبارات الملهمة التي يستدعيها المؤمنون بالتنمية البشرية، ويتم استخدامها والإشارة إليها كثيرا في محاضرات ممارسيها. ومعها بالطبع عبارات أخرى من الرواية ذاتها مثل “ليس هنالك إلّا شيء واحد يجعل الحلم مستحيلًا : إنه الخوف من الفشل” و”أشد ساعات اليوم ظلمةً هي تلك التي تسبق طلوع الشمس”، و”عندما تريد شيئًا ما، فإن الكون بأسره يتضافر/ يتآمر ليوفر لك تحقيق رغبتك”.

تعتمد روايات كويللو علي خليط من الإيمان ذي الصبغة الدينية غير الصريحة، والمشاعر، وحديث متكرر عن الإرادة والرحلة والبحث الذي يصل بالفرد لما يريد. تبتعد رواياته عن الاشتباك مع السياسة والواقع بشكل مباشر، فهو -كمحاضرات التنمية البشرية- مَعْنِي بالفرد، وتحفيزه على التغيير من نفسه.

أما ارتباط هيبتا بالتنمية البشرية فهو أكثر وضوحًا. تبدأ الرواية وتسير فصولها كمحاضرة لأخصائي علاقات زوجية، يتنقل بحكاياته بين مشاهد وشخصيات عديدة، يعلق عليها ويرفِقها بتعقيباته التي يقطعها تعليقات من الحضور. ويبدأ كل فصل بعبارة تشبه عبارات التنمية البشرية التي تبدو عميقة وجذرية، ولكن عند تأملها قد تبدو علي شيء من السطحية والتعميم مثل “قيل في ما مضي أن بمجرد نظرة العين يحدث العشق.. كانوا كاذبون” (الخطأ اللغوي وارد في النص ذاته). العبارة تبدو عميقة، ولكنها لا تعني شيئا على الإطلاق، وتبدو كأنها تفرض قواعد مطلقة لا تحيد عنها الحياة.

تسير الحكايات الأربعة في الرواية على المنهاج نفسه، لا تتعرض شخوصها لأية ظروف قاهرة قد تظهر فيها رائحة ظلم سياسي أو اجتماعي أو ديني. أبطال الحكايات يظهرون كشخصيات منفردة، يتخلص المؤلف من وجود الأهل عن طريق التخلص منهم في حوادث، أو ابتعادهم اجتماعيًا عن شخوص حكاياته. هذا نفسه هو أسلوب بناء الحكايات الملهمة التي يستخدمها مدربو ومحاضرو التنمية البشرية، حيث تنعزل الشخصية عن تأثيرات المجتمع، وتتخلص منها لتجد الحل داخل نفسها، ويكون سبيله “القوة الذاتية التي هي في الداخل”. فلا سبيل في التنمية البشرية للاشتباك مع المجتمع ومشكلاته.

بعد أن تتخلص الرواية من المجتمع، تلجأ للتركيز علي العاطفة واعتبارها الدافع المحرك للأشخاص. وهو ما يتماس مع عواطف القاريء -وبخاصة القارئات- وأصحاب المراحل العمرية المبكرة، وهم جمهور الرواية الأساسي. يشبه هذا أدوات التحفيز العاطفي في محاضرات التنمية البشرية، المعتمدة علي الشحن العاطفي.

تمتليء الرواية بالمصادفات العديدة، التي تبدو محركة للأحداث في تطبيق لحكمة كويللو “وعندما تريد شيئًا ما، فإن الكون بأسره يتضافر ليوفر لك تحقيق رغبتك”. وبينما توصف المصادفات بأنها الحل الضعيف دراميًا، تعتبرها الرواية يد القدر المُحقِّقَة لأحلام البشر.

يتحول الشخص إذن إلى نموذج، هو فريد ومتميز وصاحب رؤية واختلاف وعمق، فهو بطل الحكاية التي يحكيها محاضر التنمية الذاتية، وهو الصورة التي يطمح المستمع إلى أن يكون مثلها.

كذلك تمتليء الرواية بأحداث جِسام؛ موت مفاجيء وطلاق وانتحار ووفاة طفل وعمليات جراحية خطيرة وعواطف مفاجئة، لضمان جذب القاريء طوال الوقت. وهي نفس بنية محاضرات التنمية البشرية في الحفاظ على اهتمام الجمهور طوال الوقت حتى لا يفلت خيط انتباههم من يد المُحاضِر. كذلك هناك تنميط وتقسيم للشخصيات بين الشخصيات ذات الرؤية المتأملة والباحثة عن المشاعر والاختلاف وصاحبة الحس الفني، وعلي الجانب الآخر تأتي الشخصيات التقليدية كشخصيات مملة جافة، لا مشاعر لديها.

يتحول الشخص إذن إلى نموذج، هو فريد ومتميز وصاحب رؤية واختلاف وعمق، فهو بطل الحكاية التي يحكيها محاضر التنمية الذاتية، وهو الصورة التي يطمح المستمع إلى أن يكون عليها ومثلها: متميزًا عميقًا مختلفًا لا يشبه أحد ولا يشبهه أحد. أما من يبتعد عن الاندماج في التنمية البشرية ولا يبحث عن الخلاص داخل نفسه، فهو الشخص الروتيني المكرر الذي لن تجد جديدًا في حياته.

ويأتي ختام الرواية ليكشف عن مفاجأة لإدهاش القارئ، ثم يليها كشف يغير النهاية لتصبح أكثر إسعادا له. وهي حيلة درامية قديمة، لكنها تتطابق كذلك مع بنية محاضرات التنمية البشرية التي تلعب بالأساس على عواطف المتابعين. وهو ما يبين عملية الانتقاء التي يقوم بها مدربو التنمية البشرية لقصص معينة ذات نهايات بعينها، يتم استخدامها للعب علي العواطف ويكون انفعال المستقبلين لها كبيرًا، باعتبارها قصصًا واقعية من الحياة.

“هيبتا” الصادرة في 2014 هي تعبير عن شرائح من المجتمع باحثة عن العاطفة والنجاح، راغبة في الابتعاد عن ظروف مجتمعها المعقدة، تأمل في حل فردي يعتمد على إيمان الفرد بقيم معينة، وكلمات سحرية تجلب النجاح والارتياح. وهي نفس الشرائح الباحثة عن نفس الأهداف في كتب وفيديوهات ومحاضرات التنمية البشرية، هاربةً من مواجهة تحديات سياسية ومجتمعية واقتصادية لا تبدو قابلة للحل.

نشر في موقع ..المنصة

1/01/2022

حكاية مذيع مصري في اذاعة "صوت اسرائيل"

 

بدأ الأمر بحلقة من برنامج «لديّ أقوال أخرى»، للإعلامي إبراهيم عيسى، والتي أذيعت في ذكرى وفاة الشاعر الراحل صلاح جاهين، واستضاف عيسى فيها الشاعر والناقد شعبان يوسف الذي تحدث عن دور صلاح جاهين في التقديم لشعراء عامية معاصرين له مثل عبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب، كما تحدث عن تقديمه لشاعر «غريب» آخر؛ نبيه سرحان الذي أصدر ديوان «مدد يا ولد.. مدد يا بنت»، قبل أن يهاجر لإسرائيل ليعيش هناك.

قصة شاعر العامية الذي هاجر لإسرائيل لفتت انتباهي، فبدأت في البحث عن «نبيه سرحان»؛ شاعر بدأ نشاطه الأدبي في مصر في الستينيات، وكتب عنه العديد من الكتاب مثل يوسف إدريس ومحمود السعدني وخيري شلبي وعلي سالم.

متطوع في الجيش الشعبي ثم معتقل

بحسب جريدة الشرق الأوسط، ففي أواخر الستينات كان الشاعر والصحافي المصري، نبيه سرحان، يعمل في إذاعة «الشرق الأوسط» بالقاهرة، حيث ذاع صيته عبر برنامج «تأملات» الذي كان يردد فيه أشعارًا بالعامية معظمها من تأليفه، أو عبر برنامج «دعاء» الذي كان يطل منه على المستمعين طوال شهر رمضان.

ولكن أغلب التفاصيل عن الحياة الغامضة لسرحان نعرفها من زوجته المصرية الأولى، نبوية موسى، التي تحول اسمها في إسرائيل إلى «ليلى موسى».

في 2003، أجرى الموقع الفلسطيني «دنيا الوطن» لقاء مع موسى، حكت فيه أن سرحان تطوع في الجيش الشعبي المصري ليشارك في حرب يونيو 1967، وانقطعت أخباره عنها بعدها لمدة تسعة أشهر اعتقدت الزوجة فيها أنه قُتل، ولكنه عاد بعدها ليخبرها أنه كان معتقلًا في سجن أبو زعبل، والسبب هو أنه أثناء تواجده في القنطرة، زارهم مذيع من الإذاعة المصرية [تقول صحيفة معاريف في مقال آخر أن الزائر كان هو «الفريق مرتجي، قائد الجبهة الشرقية آنذاك»] وقال نبيه له: «قل لأحمد سعيد أننا مهزومون، وأن يكف عما يذيعه في الإذاعة من بيانات غير صحيحة، وما نسمعه في الإذاعة فضيحة». عندها أمر قائد المعسكر بسجنه، ليبقى في السجن تسعة أشهر.

خرج بعدها سرحان من السجن، ووافقت المطبعة على طباعة ديوانه الشعري. غير أن الأمن المصري صادر الديوان، فقرر مغادرة مصر إلى ليبيا، ولكن بعد وصوله للمنفذ الحدودي مع ليبيا أعيد للقاهرة لكونه على قائمة الممنوعين من السفر، فذهب لمكتب شعراوي جمعة، وزير الداخلية آنذاك، مطالبًا إياه بالسماح له بمغادرة مصر، ومهددًا بأنه إن لم يوافق فسيشتري بما في جيبه من نقود لافتة قماشية ويكتب عليها «يسقط شعراوي جمعة»، ويعلقها تحت مكتبه.

رد عليه جمعة بالرفض، بحجة أنه يريد مغادرة لمصر للهجوم عليها من الخارج، فتعهد نبيه بعدم مهاجمة مصر، وأخبره أنه ذاهب للبنان حيث سيساعده نزار قباني في طباعة دواوينه.

من ليبيا لليونان لإسرائيل

تحكي الزوجة أنه بعد دخول سرحان لليبيا التقى بالملك السنوسي الذي رحب به، ووافق على أن يكتب في صحيفة «العلم» الليبية، شريطة ألا يكتب في السياسة حتى لا تقع مشكلة مع النظام المصري. التزم نبيه بهذا لفترة قبل أن يعود لكتابة مقال يهاجم فيه النظام المصري، فأرسلت مصر احتجاجًا للملك السنوسي الذي قرر إبعاد سرحان وزوجته إلى دولة أخرى، مع عدم تسليمهما للنظام المصري.

رفضت دول أوروبية عدة استقبالهما، حتى أنهما كانا يبيتان في المطارات الأوروبية، وذلك حتى سمحت لهما اليونان بدخول أراضيها، واثناء سير الزوجين في شوارع أثينا، التقيا بدبلوماسي كوبي كان سرحان قد سبق أن التقى به في مصر، وأخبره الدبلوماسي ألا دولة ستقبله في أراضيها، إلا في حالة كونها «معادية لمصر».

دون أن يخبر زوجته، توجه سرحان للقنصلية الإسرائيلية في أثينا، وطلب مقابلة القنصل الإسرائيلي حينها، إيلي دويك، وكان لحظِّه يهوديًا من أصل مصري. وفي إشارة لرغبته بالعمل في الإذاعة الإسرائيلية، قال سرحان للقنصل: «لا أريد منكم سوى ميكروفون».

تأخر الرد من تل أبيب لعدة أشهر، قبل أن يأتي بالقبول، مع شرط واحد، أن يخفي الزوجان هويتهما في إسرائيل، وأن يدعيا أنهما يهوديان من أصول ليبية.

في البداية رفضت الزوجة، الحامل وقتها في ابنتها الأولى، الهجرة لإسرائيل، إلا أن سرحان وضعها أمام اختيار، أما أن تأتي معه وإما أن ترحل وحدها لمصر، فاضطرت للقبول، مع شرط آخر اشترطته على الإسرائيليين، أن يعيشا في القدس، «البقعة الطاهرة بجوار المسجد الأقصى»، وليس في تل أبيب!

طولب سرحان بمعالجة قصة لنجيب محفوظ للبرنامج الإذاعي، ونجح في الاختبار. ثم حُقّق معه نهارًا وليلًا بواسطة جهاز كشف الكذب، قبل أن تتم طمأنته بأنه «على ما لا يرام، لا يكذب وليس ‘مخربًا’». وبالتالي تقرر سفره مع زوجته لإسرائيل ليبدأ العمل في «صوت إسرائيل بالعربية».

صوت إسرائيل

أثناء مغادرته لمطار بن جوريون إلى شقته المؤقتة في «بيت عام»، يحكي سرحان في حوار أجرته معه صحيفة معاريف: «رأيت الأطفال الإسرائيليين والناس. هل هؤلاء من أردنا قتلهم؟ حتى السادات شعر بهذا وقال هذا.»

على موجات الأثير الإسرائيلي، قدم نبيه سرحان، أو باسمه الإسرائيلي الجديد، جوزف سمير، برنامجه بالعربية الذي أخذ اسم «ابن الريف»، وكان يخاطب فيه الفلاح المصري، بادئًا حلقاته بنداء «إخواني يا أبناء مصر الطيبين»، ليشتهر برنامجه بين الفلاحين المصريين الذين كانوا قادرين في نهاية الستينيات على التقاط موجات الإذاعة الإسرائيلية، ولتتردد شائعة بينهم بعد ذلك، روت عنها صحيفة اليوم السابع، مفادها أن سرحان يسرّب أسئلة امتحانات الثانوية العامة بالإجابات النموذجية للشباب المصريين.

الإعلان عن الأمسية الشعرية الأخيرة لسرحان

في إسرائيل، حرص الزوجان المصريان على إخفاء كل تفاصيل حياتهما السابقة عن الجميع، بل وحتى عن أولادهما، حياة ودينا وسامي، الذين نشأوا باعتبارهم مواطنين إسرائيليين يهودًا، يحتلفون بالأعياد اليهودية؛ يتنكرون في عيد البوريم، ويأكلون الفطائر في عيد الفصح، ولتصبح ابنته الكبرى، حياة، أول مسلمة تُجنّد في الجيش الإسرائيلي، وفق ما يرويه موقع «نقابة الصحفيين بالقدس».

ولكن في 1977 انكشف السر الكبير. وفق ما ترويه الصحفية الإسرائيلية تسيبي رومان، ففي المؤتمر الصحفي المعد للرئيس أنور السادات بمناسبة زيارته للقدس، وقف نبيه سرحان مخاطبًا السادات قائلًا: «فخامة رئيسي»، كاشفًا عن هويته الحقيقية لأول مرة في إسرائيل. وبحسب الروائي خيري شلبي، فقد جرى هذا اللقاء بين الرئيس المصري والشاعر المصري/ الإسرائيلي، في مطار بن جوريون، ووفقًا له أيضًا، فقد عبر السادات عن دهشته من وجود سرحان في تل أبيب قائلًأ: «كنا نعتقد أنك في ليبيا!»

أما وفق زوجة سرحان، ليلى موسى، في موقع «دنيا الوطن»، فقد طلب سرحان من السادات بهذه المناسبة السماح له بزيارة مصر، ووافق السادات، وذهبت الزوجة للسفارة المصرية لطلب تأشيرة دخول لمصر، وتأخرت التأشيرة لعام ونصف، وعندما جاءت التأشيرة، سافرت الزوجة مع الأولاد في زيارة سياحية لمصر استغرقت أسبوعين، ولم يسافر سرحان نفسه.

في يوم اللقاء بين سرحان والسادات، قررت تسيبي رومان، الصحفية الإسرائيلية، التعرف على حياة الزوجين. فزارتهما في البيت وتعرفت عليهما وعلى أطفالهما، حياة، 9 سنوات آنذاك، دينا، 6 سنوات، وسامي، 5 سنوات، وجميعهم سيصبحون فيما بعد فنانين مؤثرين في «المشهد الفني الإسرائيلي».

زوجته ليلى وابنته حياة

في البداية رفضت الزوجة فكرة إجراء حوار معها، ولكن بعد عدة أيام اتصلت بها وطلبت مقابلتها. تقول رومان:

«واصلنا حوارنا على مدار أكثر من ساعة، أصبحنا خلالها كأبناء العائلة. جلسنا سويًا، يومًا بعد يوم، وحكت لي عن حياتها كطفلة في القرية المصرية، عن طقس الختان البربري الذي تعرضت له، وعن اختيار رجل أكبر منها لها لتكون زوجته، وهي في سن الـ14، ما جعل حياتها تأخذ منعطفًا غير متوقع على الإطلاق. جمعت [ليلى] أحداث حياتها في كتابها ‘منفية في القدس’، الصادر عام 1981، والذي يثبت للمرة التي لا أعرف كم، أن الواقع يتفوق على أي خيال.»

في إسرائيل ضاع جواز السفر المصري لنبيه سرحان، وكانت جنسيته غير واضحة في وثيقة السفر الإسرائيلية، بحسب ما تشير صحيفة معاريف. وبالتالي عُرضت عليه الجنسية الإسرائيلية، وظل حائرًا حتى وصل للحجة التي أرضت ضميره؛ أن الجنسية الإسرائيلية ممنوحة لاسمه المختلق، جوزِف سمير، وليس لاسمه الحقيقي، نبيه سرحان.

أنا مصري مخلص لإسرائيل

في العام نفسه، 1977، أجرى تسيفي لافي، الصحفي في جريدة «معاريف» الإسرائيلية حوارًا مع سرحان. آراء سرحان في الحوار كانت أكثر من مربكة، يمكن وصفها بـ«التصهين»، ولكن لا يمكن حصرها في هذا. يقول: «صحيح أن القانون المصري يصفني بالخائن منذ أن غادرت، ولكني لا أشعر بنفسي كخائن، أنا مصري وسأظل هكذا. سأعيش مخلصًا لإسرائيل ولن أنكر ولائي لمصر. سأخدم الشعب المصري حتى عن طريق الإذاعة الإسرائيلية، عندما أخبر الشعب بالحقيقة وأشرح له حقيقة إسرائيل».

كانت رسالته في البرنامج، كما تقول الصحيفة، هي: «قبل أن تحلموا بحرب أخرى، نظّفوا أنفسكم، طهّروا مصر من الخوف ومن الديكتاتورية ومن الروس. ابنوا صناعة حديثة، ازرعوا قطنًا أفضل».

يضيف سرحان: «قمت في البرنامج بدعاية مصرية وليست إسرائيلية: لا يمكن فجأة أن تتحدثوا عن السلام وإنما ينبغي تحضير الشعب له… لكي يعرف من أجل ماذا يحارب وضد من، وعندها يقرر إن كان من المفيد له أن يفكر في الحرب. في حلقة أخرى طلبت من ناصر أن يبدأ في تعلم توراة [نظرية/ منهج] إسرائيل، وحذرته من كون الجنود المصريين الذين ماتوا أو سيموتون بأوامره سيدينونه إن وقف أمام هيئة حكمهم».

بعد أيام معدودة مات ناصر، تواصل الصحيفة، وبكى هو كطفل، «كان يحبه ولم يسامحه حتى يومه الأخير لكونه اعتمد على مساعديه ولم ينزل الشارع».

في المقابل كان يرى أن السادات ورث منهج ناصر، ولكنه يتصرف بشكل آخر، يتكلم أقل ويعمل أكثر، وبشكل عام يحب العمل بنفسه ولا يعتمد على الآخرين.

كانت هناك لحظات يرغب فيها سرحان في مغادرة إسرائيل. لم يحب «حرب اليهود»، كما تسميها الصحيفة؛ لم يحتمل أعضاء الكنيست الذين يشتمون بعضهم أو المهاجرين الجدد الذين يتلقون «كل خير» من إسرائيل ثم يغادرونها ليشوهوها.

كان يحتقر تنظيمات «المخربين الفلسطينيين»، «الجبناء واللحّاسين»، كما يسميهم أو تسميهم الصحيفة، ولكنه لم يستطع أن يفهم لماذا تُفتَّش ثياب العرب من أجل إذلالهم: ولكن إلى أين أذهب؟ يتساءل، وماذا سيحدث مع أولادي الذين يتعلمون ويتكلمون بالعبرية؟

نبيه سرحان وأبناؤه

وماذا إذا حدث السلام بالفعل؟ يسأله الصحفي الذي أجرى معه الحوار في 1977، فيرد:

«لن أترك القدس، ولكن ربما يكون لي بيت في القاهرة أيضًا. سأنشر قصائدي هنا وهناك بالعربية، وربما بالعبرية أيضًا. ما الأجمل من أن يكون هناك رمز مصري للسلام يعيش في إسرائيل؟ صحيح أني مصري، ولكني أبدًا، وبأي شكل، لست عربيًا.»

عائلة فنية كبيرة

بعد انكشاف هويته في 1977، أنجب سرحان من زوجته ليلى ثلاثة أبناء آخرين، مريم وهاجر وسارة. ولكن في نهاية القرن الماضي، انفصل الزوجان؛ تركت ليلى وأولادها البيت في «بيت جالا» بالقدس، وبقى سرحان هناك، وبعد حوالي ثلاث سنوات تزوج الفلسطينية عناد رباح وأنجب منها أمير.

أغلب أبنائه لهم حيوات فنية، في مجال الموسيقى مثل هاجر وحياة سمير، اللتين تستلهمان الموسيقى الشرقية في أغانيهما، وتغنيان أحيانًا كلمات أبيهما.

أما الابن سامي سمير فقد كانت اهتمامته سينمائية؛ مثّل في عدد من الأفلام أشهرهم فيلم «أجورا»، الذي يروي قصة هيباتيا السكندرية، وكذلك فيلمي «ميونخ» و«جسد من الأكاذيب».

غادر سرحان الحياة في 24 أكتوبر 2014 ودُفن، بحسب طلبه، في مقابر المسلمين بالقرب من نقطة تفتيش إسرائيلية في (بيت لحم) بالضفة الغربية.

قصائد عامية شعبية و«روح المثقف الثوري»

في تقديم صلاح جاهين لديوان سرحان «مدد يا ولد.. مدد يا بنت»، والمنشور في ربيع 1967، كتب جاهين أن الديوان يحمل عنصري حركة شعر العامية المصرية، وهما «الشعبية»، وتتجلى في تلك اللغة البسيطة المنتزعة من افواه الفلاحين بقرى الشرقية، حيث ولد الشاعر، و«روح المثقف الثوري»: «فحتى في أشد القصائد حزنًا واكتئابًا وظلامًا، لو حفرنا قليلًا تحت السطح لوجدناها تبشر بالمستقبل المنتصر، وتمجد العاملين على الوصول اليه، وتلعن من يعوق الموكب عن المسير».

ظل سرحان يكتب بالعربية في إسرائيل، قصائد عامية يتضح منها استمرار تعلقه بمصر، كما يشارك قصائده في صفحته على فيسبوك مستخدمًا اسم «نبيه سرحان»، وليس جوزف سمير، على غرار هذه القصيدة التي نشرها على صفحته في أواخر حياته، ويقول مفتتحها:

«بالهداوة/ حطيت كلامي/ ف كام كتاب/ السطر ناي/ والحرف… غاب/ والليل إيدين بتدق باب/ غطّاه ضباب/ والنيل عيون… مفتّحة/ والموجة كتفه صعاب/ أهلي.. بعاد عني/ ناديت يا كلمتي/ يا كل زادي ولقمتي/ على سدرها عديت/ لفيت بلاد/ ولقيت صحاب/ سبقوني/ كتبوا بدموعهم غناوي/ كلها.. حب ومعاني/ قلت/ يا أحباب/ نغمي.. مضلّش ع الرباب/ لسه الغلابا الفلاحين.. بيعرقوا/ ولسه ما تمدش قوي اللبلاب/ علشان يغطي كل بيت عريان/ ولسة عين البنية/ زايغة ع الفستان/ ولسة.. ياما كتير فيران/ بتمصّ.. عضم غيطان».

كما غنى وحيد عزت من كلماته أغنية «النخل العالي»، ويقول مفتتحها: «يا جريد النخل العالي، يا نسمة فرح عيالي، آه يا نور أخضر ملالي».

آخر أمسية شعرية لنبيه سرحان أقيمت في 2013، قبل رحيله بعام، وأخذت اسم «بقايا الحياة»، وساعدته فيها ابنته، دينا سمير، على ترجمة قصائده للعبرية.

في الأمسية قرأ سرحان قصائده، بعد أن ألقى كلمة قصيرة بالعبرية، منحازة تمامًا لإسرائيل هذه المرة، وتدين مصر تمامًا بشعبها وفلاحيها، مع استثناء وحيد من الإدانة؛ أنور السادات:

«لأسفي الكبير، لا أحد في مصر سيشعر بالسلام أبدًا. الفلاح المصري يبقى كما كان من قبل حرب الأيام الستة ربما. ولكن هذه الدولة الصغيرة الرائعة، بشعبها الرائع، الذي دعم الفلاح المصري ودعم السلام.. أقول لكم: اذهبوا من فضلكم لمصر، وانظروا إن كانت هذه الدولة يمكن أن يوجد فيها سلام، بين من ومن؟ طول الوقت يقولون إن الوضع الاقتصادي في مصر خراء. ويرجعون السبب، هل تعرفون لمن؟ للصهاينة، طول الوقت كانوا يقولون عن هذا الشعب الصهيوني، الأعداء، حاربوهم، عضوهم بأسنانكم، ولكني جئت ورأيت شعبًا رائعا، بلدًا جميلًا، وان لم أكن أبالغ، فليس هناك مثل أرض إسرائيل، وليس هناك مثل الشعب اليهودي. والمرحوم أنور السادات عندما كان هنا قال لي: يا نبيه أنت سبقتني لهذا الشعب الرائع!»

نشر في موقع “مدى مصر” الترجمة من العبرية: نائل الطوخي