12/31/2021

التحقيق مع مذيعة برنامج أطفال بسبب تحرير فلسطين..حكاية لشوقي حجاب

 

الشاعر شوقي حجاب كاتب ومعد أغاني وبرامج الأطفال الشهيرة زي "بقلظ" وعصافير الجنةوشقيق الشاعر الكبير سيد حجاب ،بيحكي عن المرة اللي اتعرض فيها للتحقيق بسبب برنامج "عصافير الجنة" اللي كانت بتقدمه سلوى حجازي وصفاء أبو السعود وغابت مرة عن البرنامج فجه مكانها مذيعة اسمها عائشة البحراوي مش مختصة ببرامج الأطفال، فبتقول للأطفال اللي عندهم 5 و 6 سنين خلال الحلقة وعلى الهوا مباشرة.. انتوا هتحرروا فلسطين، وده كان في وقت ماقبل يونيو 67 والدولة بتقول للناس اننا خلاص هنغرق اسرائيل في البحر النهارده قبل بكره، فمعنى كلام المذيعة ان قدامنا 20 سنة لحد ما نحرر فلسطين، فنتيجة لده تم استدعاء شوقي حجاب للتحقيق بتهمة "تهبيط عزيمة الشعب"، وكانت أقواله في التحقيق ان دي غلطة المذيعة واقتنعوا بأنه بريء،العجيب بعد كل ده ان شوقي حجاب ان 23 يوليو هي التجسيد الحقيقي للثورة، والأعجب انه اعلام "هنغرق اسرائيل دلوقتي" لسه بيجيب مفعول مع الناس

12/28/2021

حلمي بكر.. هوس الزمن الجميل يقترب من النهاية

 

لم يعد صوته العالي مؤثرًا، بدت نبرة صوته المستهزئة مرتعشة، أثناء استضافته في برنامج يتوقف نجاحه على سخونة الاشتباك بين الضيوف. هاجم شابين في مقتبل عمرهما حاولا التحليق خارج السرب، وأصبحت أغانيهما أوسع انتشارًا من أي وقت مضى، لم يُبد الشابان انزعاجًا من سبابه لهما. نظرا إليه باعتباره عجوزًا متعجرفًا تجاوزه الزمن، لدرجة أنه لم يجد سوى السخرية من اسمي شهرتهما، أوكا وأورتيجا.

منذ عقود، توقف الملحن حلمي بكر بطل تلك المشادة عن الإبداع، وصار يلعب دورًا جاهزًا كـ “سبّابٍ فنّي” يستضيفه الصحفيون والمذيعون كي يمارس هوايته التي صارت الآن علامة على حضوره الفني. هو الموسيقي الذي كف عن إنتاج الموسيقى وتفرغ للهجوم على كل وافد جديد عليها.

حلمي بكر ابن لزمن الرقابة على الفنون الإبداعية، الفنون المصنفة طبقيًا كما رسختها دولة يوليو، وقوانين الرقابة التي ابتدعتها تلك الدولة بدعوى حماية النظام العام والآداب ومصالح الدولة العليا.

في السنوات الأخيرة لم يبق في جعبة بكر سوى استعراض صوته العالي، يربط بين سطوته الموسيقية المفترضة، وذكوريته التي تجعله يرفض أن يراجعه أحد، حتى زوجته المُعرّضة للطرد من البيت إن اعترضت يومًا على تأخيره.

التمسح في الزمن الجميل

حفل أضواء المدينة عام 1960.

تُقدِّم المطربة وردة لجمهورها ملحنًا شابًا حصل لتوه على دبلوم المعهد العالي للموسيقى، وبدأ مشواره معها بتلحين أغنية “شوية صبر“. لكن تلك الأغنية الناجحة لم تكن كافية كي تضع اسم حلمي بكر ضمن القائمة القصيرة من ملحني جيله، الذين صار يُنظر إليهم كمجددين في الموسيقى العربية المعاصرة مثل كمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي. غير أن بكر نفسه لم يدرك ذلك.

وقع في خانة خانقة مع عبدالحليم حافظ، اقتصر عمله فيها على تلحين أغاني الدرجة الثانية التي لا تخرج عن الحفلات المنزلية.

بعدها بعامين، يستخدم كمال الطويل حلمي بكر من أجل عودة ليلى مراد إلى الغناء، ويعده بمكافأة مالية، الخطة أن يدّعِي حلمي أنه مطرب ويريد من ليلى مراد تقييم صوته، يدخل كمال الطويل إلى منزل ليلى وفي يده حلمي بكر، يدندن لها الأغنية ويعجبها اللحن، ويريد منها حضور البروفة في استوديو محمد فوزي في العتبة، فتوافق.

يعرض عليها بكر أن تغنى الأغنية أولاً له حتى ترشده، فتوافق. كانت تلك أول مرة تصعد ليلى مراد منذ زمن للغناء أمام فرقة موسيقية، انسجمت لساعات في الغناء واللحن، وحين انتهت البروفة، فاجأها بكر بأن مهندس الصوت سجل الأغنية بصوتها، واعترف لها أن كمال الطويل استخدمه من أجل تلك الخدعة.

مع الوقت، بات بكر منعزلاً عن جيله، حاول أن ينسب نفسه إلى دائرة لم تر فيه شيئًا مميزًا يجعلها تخاطر بماضيها عبر انتمائه إليها. وقع في خانة خانقة مع عبدالحليم حافظ، اقتصر عمله فيها على تلحين أغاني الدرجة الثانية التي لا تخرج عن الحفلات المنزلية، كأغنية بمناسبة قدوم مولود جديد للملك الحسن، أو أخرى بمناسبة زواج الملك عبد الله بن عبد العزيز. جاءت هذه المعلومات على لسان حليم نفسه في برنامج “منتهى الصراحة” مع الإذاعي وجدي الحكيم.

قال عبد الحليم إنه لا يحب ألحان بكر، لذلك يقصُر تعاونه معه على أغاني الحفلات الخاصة، ما ينفي حكايات بكر الفخورة التي لا تنقطع عن علاقته اللصيقة بعبد الحليم حافظ.

مع تكرار ظهوره في البرامج الحوارية، اختلفت روايات بكر نفسه لتلك المواقف. لكن الثابت في جميع الحوارات المتكررة، أن هذه الأغاني التي لحنها لا يذكرها أحد، حتى مُعدّو البرامج أنفسهم ومقدموها لم يسمعوا عنها من قبل، ولم تحقق نجاحًا يسمح لها بالبقاء في ذاكرة الجمهور.

يعيش بكر على قص روايات جميع أبطالها أموات، من ضمن ما روى أن أغنية “معندكش فكرة” التي غنتها وردة كان من مفترضًا أن تغنيها له أم كلثوم قبل أن تغادر البلاد للمرة الأخيرة من أجل العلاج بعد وفاتها. يحكي كذلك عن علاقة الصداقة التي ربطته بمحمد عبد الوهاب، وهي الحكايات التي طعنها عبد الوهاب في أوراقه الشخصية، حين قال إن رأيه في حلمي بكر أنه “يلحن للموسيقيين، فيهتم بأن يلفت نظر الملحنين أكثر من أي شيء آخر”.

إن فاتك الميري..

لكن هناك مرتكز آخر يمكن عليه قياس مدى نجاح حلمي بكر، فطالما كانت الإذاعة في ذلك العصر هي المنفذ الأساسي للغناء والموسيقى. ولكن وجود حلمي بكر في الإذاعة لم يكن بصوت ألحانه، ولكن من خلال منصبه كعضو في لجنة الاستماع التي تتحكم في اعتماد المطربين والملحنين.

يفخر حلمي بكر في لقاءاته وحواراته التلفزيونية بأنه كان وراء استبعاد محمد منير وحميد الشاعري ورفض السماح لهما بالغناء في الإذاعة عندما سمعهما لأول مرة. لا يتعرض بكر لكون أغانيهما صارت عماد العديد من المحطات الإذاعية، بما فيها المحطات الحكومية التي قرر هو يومًا استبعاد صوتيهما منها، ويفوته التعرض لدلالة ظهور هذين الصوتين اللذان كانا ضمن أصوات قادت المشهد الغنائي والموسيقى العربي منذ نهايات سبعينات القرن الماضي.

خلال تلك الفترة، ابتعد حلمي بكر عن المشهد الغنائي، اقتصرت أعماله على تلحين بعض أغاني فوازير رمضان. وتراجع اسمه أكثر عن الساحة الغنائية.

خلال تلك الفترة، ابتعد حلمي بكر عن المشهد الغنائي، اقتصرت أعماله على تلحين بعض أغاني فوازير رمضان. وتراجع اسمه أكثر عن الساحة الغنائية التي كانت تشهد تغيرات في الألحان، على يد جيل جديد محب للتجريب قادته أسماء مثل عمار الشريعي ويحيى خليل وهاني شنودة، وتبعها موجة جديدة سميت بالأغنية الشبابية بقيادة حميد الشاعري الذي كان سببًا في بزوغ نجم عمرو دياب في تلك الفترة.

أثار نجاح ذلك الجيل موجة غضب بكر، شعر أنه أُقصي من تلك التجربة، فلجأ لاستخدام منصبه كعضو لجنة استماع نقابة الموسيقيين، لإستصدار قرار من النقابة عام 1992 بوقف حميد الشاعري عن العمل، قبل أن يتعاون معه بعدها بسنوات في العمل الدعائي “الحلم العربي” الذي اشترك بكر في تلحينه مع صلاح الشرنوبي ووزعه حميد الشاعري الذي صار مكتشفًا لأغلب مواهب جيله.

الطلقة الأخيرة

يمكن القول إن إخفاق العديد من ألحان حلمي بكر يعود إلى خلوها من أي تجديد موسيقي، بالإضافة للتعقيد المتعمد في الجمل اللحنية واستعراض العضلات، كما ألمح محمد الموجي، خلال حوار تليفزيوني له مع مفيد فوزي.

ترافق هذا التراجع مع استمرار بعض الملحنين القدامى في النجاح مثل سيد مكاوي وبليغ حمدي، وظهور ملحنين من جيل لاحق على بكر، مثل عمار الشريعي وحسن أبو السعود وهاني شنودة الذين حققوا نجاحات على المستوى الفني والتجاري.

خلال التسعينات كانت لحلمي بكر محاولة أخيرة للخروج من شخصية سي السيد؛ قدم مطربة جديدة أحاطها بدعاية كبيرة في حفل ليالي التليفزيون بأغنية “أنت حر”، كان هذا الصوت للمطربة منال، وظهر بكر في مقدمة أغنيتها المصورة يلعب شخصية ملحن كبير، يقف في المطبخ أثناء إعداده القهوة، ويخط لحنًا على الجدران إذ يأتيه الإلهام. يلخص هذا الكليب رؤية بكر لنفسه كفنان من زمن مضى، يحاول فرض قواعده على الواقع. يستطيل اللحن ليصل إلى 10 دقائق، حوالي ثلاثة أضعاف زمن امتداد الأغاني في تلك الفترة.

الملل المصاحب للأغنية كشف عن غياب الروح والموهبة للملحن والمطربة. انعكس ذلك على الموسيقى والإخراج، فبدت الأغنية وكأنها أنتجت قبل إذاعتها بسنوات.

كانت النتيجة بطبيعة الحال هي فشل الأغنية وغرق مطربتها في النسيان، استمرارًا لهزيمة بكر الجماهيرية أمام الشكل الأحدث للأغنية وقتها، المتجلي في الفيديو كليب.

انسف حمامك القديم

هذا لا يعني أن بكر لم يقدم ألحانًا ناجحة؛ لكن عدد الألحان الناجحة له مقارنة بمشواره التلحيني الذي بدأ في عام 1960 يبدو قليلاً. أبرز هذه الألحان “فاكرة وناسية” و”مهما الأيام” لنجاة، و”عرباوي” لمحمد رشدي، و ع اللي جرى لعليا التونسية، وبعض ألحان الفوازير لسمير غانم ونيللي وأغاني مسرحية “سيدتي الجميلة” لفؤاد المهندس وشويكار .

مع دخول الألفية وظهور الفضائيات، قرر بكر لعب دور جديد بعيد عن التلحين، بعدما أعجبه دور المهاجم الشرس لمعظم التجارب الغنائية الجديدة. وجد بكر في المعارك الشخصية مع مطربين صغار مكانة أبوية حلم بالسلطة التي تمنحها طويلا.

أحبت البرامج الساخنة شخصيته الجديدة: شيخ حارة يترحم على زمن الفن الجميل، وضيف في الحوارات الساخنة التي تنتهي بتبادل الشتائم على الهواء.

كمرتضى منصور، صار حلمي بكر ضيف مضمون، سيشهر لسانه في مواجهة الجميع، صاحب تصريحات متناقضة، يهاجم مطربًا اليوم ويمدحه غدًا، والعكس. قادر على الخوض في جميع الموضوعات من الموسيقى للأغنية المصورة، ومن تأييد السيسي إلى استعراض تعدد زيجاته وحياته الشخصية.

عوض حلمي بكر عدم نجاحه الفني بتلك الشخصية الزبونية في الفضائيات. صار نجمًا للتوك شو وحارسًا على قيم الفن، حتى لو اضطر لـ”الردح”. يمارس عملية تنفيس، يقوم بها نيابة عن الجمهور المحب لإطلاق طاقاته العدوانية ضد النجوم الذين يحبهم ويحسدهم في نفس الوقت.

نشر في موقع المنصة

12/15/2021

رضا أمين.. وجناني دا عين العقل

 

في بدايات التسعينيات ظهر فيديو مصور لأغنية “المليونيرات”، من كلمات رضا أمين، وألحان فاروق الشرنوبي، وغناء مدحت صالح، والتي تحولت كلماتها إلى شعار حياة لشباب التسعينيات، وامتد تأثيرها إلى شباب الأجيال التالية.

ويروي الشاعر رضا أمين أنه قد كتب هذه الأغنية، ولم يرغب في ظهورها لمدة 20 عامًا، لأنه اعتبر أنها تكشف شخصيته بشكل يخجله، ولكن إغراء مدحت صالح المادي جعلها تظهر للنور.

أصبحت “المليونيرات”، بكلماتها المتمردة والبوهيمية، عنوانًا للتمرد وكسر المألوف؛ فيكسر فيها رضا أمين العديد من تقاليد الطبقة الوسطى، فيدعو للإسراف عند توفر النقود، وعدم الخوف عند الإفلاس، في حين تحرص الطبقة الوسطى على توفير الأموال عند وجودها، وتخاف من الوصول إلى مرحلة الفقر.

ويزداد تحدي الأغنية بمدح الجنون، الذي هو “عين العقل”، بل وذم العقل، الذي يصفه بالداء، بل ويتحدى من يسمعه ويحفزه قائلا “تقدر تتجنن زيي؟” ليشرح له متعة جنونه، وهي السهر حتي الصباح، ورفض النصيحة، وإقامة الصداقات مع الجميع دون النظر إلى مستواهم المادي، “البيه صاحبي، والفقري”.

ويقدم مثالا ليوم من الصعلكة، يحدد مواقيته عن طريق الوجبات الثلاث التي يتناولها؛ فهو يتعشى في باب الخلق، الحي الشعبي، ثم يقرر الذهاب إلى الإسكندرية، ليفطر هناك. ونتيجة لمغامرته غير المحسوبة، فلن يجد المال اللازم لتناول الغذاء، ولكن ذلك لا يمثل له مشكلة، فهو لن يلعن الأزمات.

نجحت الأغنية، التي قال كل صناعها أنها تصور حياتهم، وأحس الكثيرون ممن سمعوها بأنها تعبر عنهم، وتمنوا أن يعيشوا تلك الحالة من الصعلكة، وكسر القواعد، والابتهاج دون الخوف من العواقب.

“المليونيرات” هي أنجح أغاني الشاعر رضا أمين، ابن حي شبرا، وخريج كلية التجارة، والذي تعرَّف في شبابه على الشاعرين عبد الرحيم منصور، وأمل دُنقُل، والكاتب لينين الرملي، كما اقترب من صلاح جاهين، وتعرف على شاعر آخر في بداياته هو جمال بخيت. وكانت أول أعمال أمين هي أغنية “أحب أعيش” لعلي الحجار، وهي من ألحان حسين ومودي الإمام.

ساهم رضا أمين في نجاح العديد من المطربين؛ فقدم لعمرو دياب، في بداياته، “شوقنا”، و”خالصين”، ولحنان أنجح أغانيها “الشمس الجريئة”، و”أصعب بكا”، وقدم “تيجي نغني” لأنوشكا.

وهذه الأغنية تجربة موسيقية مختلفة؛ فهي تنتمي إلى أسلوب حسين ومودي الإمام في الموسيقى والغناء، الذي يبدو بعيدًا عن طريقة غناء علي الحجار، ولكن هذا التعاون أنتج عملًا مختلفًا.

ويبدو رضا أمين أيضا متمردا في هذه الأغنية. ولكن التمرد هذه المرة يظهر في العلاقات العاطفية، فهو حبيب محدد وواضح، قرر إنهاء العلاقة، دون لف أو دوران “جايلك علشان أنهي السكوت”، “لو تسمحي ما تحبنيش”.

وتعترض الأغنية علي التعبير الشعبي “بحبك موت”، فهو يعتبره تعبيرًا عن زمن مضى، أما الآن ف”أحب أعيش”، فحب الحياة هو الأساس “قلبي هواه ويا الحياة”. ولن يحب علي طريقة المآسي والمبالغات “بيحبوا موت”. وفي تشبيه مبتكر يصف قلبه بمركب الأمل، وشوقه بالشراع، وأن هواها يتسبب بضياع المركب.

أغنية متمردة علي أغاني العشق التقليدية، التي يتردد فيها العاشق، ويخاف من الفراق، ويبحث عن أسباب وهمية مثل “العذول والعواذل”، فالعاشق هنا بروح جديدة، محبة للحياة أكثر من حرصها علي علاقة عاطفية غير مثمرة.

ساهم رضا أمين في نجاح العديد من المطربين؛ فقدم لعمرو دياب، في بداياته، “شوقنا”، و”خالصين”، ولحنان أنجح أغانيها “الشمس الجريئة”، و”أصعب بكا”، وقدم “تيجي نغني” لأنوشكا، في تجارب منها العاطفي، ومنها أغنيات تحاول الخروج عن الأغنية التقليدية، بكونها تصف البحر والحياة والدموع.

“مبسوطة”، أو “ماشية وساعتي مش مظبوطة”، هي الأغنية التي صنعت نجومية “سيمون”، وهي عبارة عن تعريب لأغنية Susanne Vega – Tom’s Diner، فهي تعتمد على نفس اللحن مع كلمات مصرية.

وتظهر براعة رضا أمين في استطاعته وضع الكلمات على لحن غربي، وذلك دون أن يحس المستمع بغرابة في إيقاع الكلمات، أو بكونها مصطنعة لملاءمة اللحن. وقد استوحى رضا أمين الكلمات من أجواء الأغنية الأصلية، والتي تصف فيها المغنية ما يدور حولها وهي تشرب قهوتها، لتتحول الأغنية لوصف للشارع المصري من خلال عيون فتاة مصرية، وما يمكن أن يقابلها من مصاعب: “ع الرصيف واحد بيعاكس”، “وتقول عايزة يا إما هأزن”، أو أشياء جميلة، مثل “بياع جرايد”.

ووسط كل ذلك هي واثقة من نفسها، ومن صوت حبيبها، الذي تحمله داخلها. في واحدة من أنجح الأغاني التي قُدمت بلحن غربي. وتظهر براعة رضا أمين في اختياره لقافية غير معتادة وصعبة؛ (فن – بيزن – في السن – الجن – لحن – يحن)، لتؤدي به لأغنية مميزة لا تزال في الذاكرة.

يرتبط جمال المدينة عند رضا أمين بالليل والسهر، فتبدأ أغنية “لحظة صفا” بانطفاء ضوء الفتارين، واختفاء الزحام، لتفصح المدينة عن جمالها المختبئ وسط زحام النهار.

“لحظة صفا”، هي أغنية الختام لفيلم “الباشا”، من ألحان ياسر عبد الرحمن، وهي الأغنية التي تعبر عن تصالح المغنية مع مجتمعها ومدينتها، في نهاية الفيلم.

يرتبط جمال المدينة عند رضا أمين بالليل والسهر، فتبدأ الأغنية بانطفاء ضوء الفتارين، واختفاء الزحام، لتفصح المدينة عن جمالها المختبئ وسط زحام النهار، لتصبح اللحظة مناسبة للاقتراب من المدينة ومحبتها، بعيدا عن الشارع، الذي يغلق الأبواب في وجهنا عند الظهيرة، ليصبح ونيسا بعد منتصف الليل، يمنح الدفء والونس، ويعطي الأمل لخطوة جديدة، وحلم جريء، يقضي علي الخوف.

توفي الشاعر “رضا أمين” في ديسمبر/كانون الأول 2011، عن عمر يناهز 60 عامًا. ليغادر الحياة شاعرٌ أسهم بشكل بارز في أغنيات الثمانينيات والتسعينيات، بصوت مختلف، ومشاعر جميلة، وحب دائم للحياة والحرية والتمرد.

حوار لرضا أمين مع مجلة صباح الخير

نشر في موقع “المنصة”

12/08/2021

ترندات الثقافة والفن ..موت وسخرية 2019

ترندات جمع “ترند” وهو تصاعد الاهتمام بموضوع أو شخصية ما على مواقع التواصل الاجتماعي أو محركات البحث , وخلال عام 2019 تنوعت الترندات المرتبطة بالثقافة والفن , ولكنها بشكل كبير دارت في فلك الموت والسخرية , فلقد اصبحت مواقع التواصل وسيلة للسخرية وأحيانا العدوانية وفي نفس الوقت مواجهة الموت الذي يتجسد في وفاة المشاهير بردود أفعال تتنوع في أوجه يمكن منها استشفاف تناقضات المجتمع .

بدأ عام 2019 بصورة لروبي من أحد أعياد الميلاد أصبحت تستخدم في وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن عدم التصديق والسخرية من الكلام غير المنطقي أو المبالغ فيه

وفي يناير أيضا توفي الفنان سعيد عبد الغني والذي يبدو أن وفاته كانت متشابهة مع مشواره الفني , فلم تثر الكثير من ردود الأفعال ربما لكبر سنه أو توقفه عن التمثيل منذ فترة كبيرة قبل وفاته .

أما في شهر ابريل فكانت وفاة الفنان محمود الجندي أكثر تفاعلا , فالجندي صاحب تاريخ فني كبير ومتنوع وأدوار عديدة ارتبط بها الجمهور من خلال التليفزيون والمسرح والسينما , وصاحب حضور وألفة صنعها من خلال مشوار فني طويل ,ولم يقتصر حضوره على التمثيل بل ارتبط أيضا بغنائه وصوته الجميل واستمر حضوره حتى مع تقدمه في السن , ولكن العامل الأكثر تأثيرا في تفاعل العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي كان قصة “توبة” الجندي وهي القصة التي رواها الجندي بعد الحريق الذي أصاب منزله واعتبره الجندي رسالة من السماء مضادة لتوجهه “العلماني” أو غير المتدين , وأصبح كثير من رواد مواقع التواصل وبخاصة أصحاب التوجه الاسلامي يقومون باصدار أحكام سماوية بالترحم على هذا الفنان أو الشماتة في موته واعتباره ذاهب الى الحساب العسير عن ما فعله في حياته .

كذلك شهد شهر ابريل اطلاق ألبوم “أبناء البطة السوداء” لفريق كايروكي والذي لاقى تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل فالفرقة تحظي بشعبية كبيرة بين الشباب , وتعبر بشكل كبير عن حالة تمرد  سياسي واجتماعي , وكانت أبرز أغاني الالبوم “كان لك معايا” والتي مزجت فيها الفرقة بين غنائها وبين مقطع لأم كلثوم , ليصل عدد مشاهدات الأغنية على موقع اليوتيوب ل 24 مليون مشاهدة حتى الآن.

أما في شهر مايو ومع حلول شهر رمضان فلقد كانت هناك خيبة أمل من مستوى مسلسلات رمضان والتي اتبعت المعايير الموحدة  والتي سيطرت على أغلبها الشركات التابعة للجهات السيادية , وما زاد من غضب واستياء المتابعين هو الظهور المفاجيء لتطبيق watch it التابع ل “اعلام المصريين” بالتزامن مع عدم اتاحة الأعمال الدرامية على موقع اليوتيوب وحجب المواقع التي تقوم بعرض هذه الأعمال بشكل غير شرعي , وقد أدى غضب رواد مواقع التواصل الي اتاحة التطبيق بشكل مجاني طوال شهر رمضان ,وتأجيل تحوله الى تطبيق مدفوع الثمن ,كذلك شهد شهر رمضان اهتمام مواقع التواصل بايقاف برنامج بسمة وهبة “شيخ الحارة” وذلك بسبب واقعة تنمر خلال حلقة الممثل “ماجد المصري ” , بينما رأى البعض أن السبب الحقيقي في ايقاف البرنامج هو اجتذاب البرنامج وقناة “القاهرة والناس” للمشاهدين والاعلانات بعيدا عن القنوات التابعة ل”اعلام المصريين” , وقد ظهرت “بسمة وهبة” مؤخرا في فيديو من خارج مصر تطالب فيه بتوسيع هامش الحرية في الاعلام  , وهو ما اثار الاستغراب خاصة أن زوجها هو اللواء السابق علاء عابد رئيس لجنة حقوق الانسان في البرلمان المصري .

كذلك شهد شهر يونيو خبرا اهتمت به مواقع التواصل وهو تحويل سلسلة “ماوراء الطبيعة” للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق  لمسلسل على شبكة NETFLIX من انتاج محمد حفظي واخراج عمرو سلامة , وهو الخبر الذي أسعد الكثيرين وأقلق البعض بسبب احتمال أن يفسد المسلسل الصورة السابقة عن السلسلة , وانشغل المتابعون بمحاولة توقع أو ترشيح بطل يقوم بدور دكتور رفعت اسماعيل وكان أبرز المرشحين هم عبد العزيز مخيون ومحمود حميدة وهشام سليم ,و قاموا بالفعل  بتصميم صور وبوسترات تحمل ترشيحاتهم , ولكن لاحقا جاء اختيار أحمد أمين بمثابة مفاجأة غير متوقعة استنكرها البعض وطالب آخرون بالتريث حتى مشاهدة العمل.

أما شهر أغسطس فقد شهد وفاة كل من فاروق الفيشاوي وعزت أبو عوف فلقد اختلفت ردود الأفعال فبينما استرجع البعض فيديو لأبو عوف يحذر فيه من 30 يونيو ويطالب فيه بالانتظار ل 4 سنوات حفاظا على الديموقراطية ,كانت وفاة فاروق الفيشاوي أكثر تعقيدا بسبب تعدد جوانب شخصيته فهو النجم السينيمائي والتليفزيوني وصاحب المواقف السياسية المؤيدة لحمدين صباحي والمعارضة للسيسي ,وصاحب تجربة ادمان مخدرات وزيجات وعلاقات نسائية متعددة , وابن مثير للجدل بتصرفاته وزيجاته , وعدم اظهاره لمظاهر التدين برغم معرفته بأنه قد أصيب بمرض السرطان ,فقد ذلك الى اتخاذ  جزء كبير من الجمهور “الاسلامي” موقف الوعظ والترهيب واعتبار الاصابة والسرطان عقابا الهيا وعظة لمن لم يتعظ , في مقابل من أحبوه وفنان بغض النظر عن حياته الشخصية .

واتسم شهر أكتوبر بالعديد من الترندات التي ارتبطت بشكل ما بفكرة العسكرية المصرية , فلقد بدأ الشهر بالدعاية المكثفة لعرض فيلم “الممر” في القنوات المصرية لأول مرة , والفيلم الذي تدور أحداثه خلال شهر أكتوبر أثار الكثير من جدل مواقع التواصل بين من سعدوا به كفيلم يغرس الانتماء والوطنية وحب الجيش المصري وبين من رأوا أن الغرض من الفيلم هو الدعاية للنظام الحالي القائم على فكرة تفوق العسكرية المصرية ,وبين من سخروا من تضخيم أهمية الفيلم ومشاهدته بسؤالهم عن احتمال نزع الجنسية المصرية أو الحرمان من بطاقة التموين لمن لم يشاهد الفيلم , تبع ذلك الترند آخر مرتبط به وهو الفنان أحمد فلوكس وظهور صور له وتصريحات أحس منها البعض أن فلوكس يتصرف كصاحب دور وطني وك”شهيد” وليس مجرد ممثل قام بدور في فيلم حربي , مما أثار موجة من السخرية من تلك الفكرة , وتمت مواجهتها بحملة لدعم فلوكس , ليصبح فلوكس هو مجرد عنوان لصدام بين من يؤيدون الحالة “الوطنية” التي ينصهر فيها الجميع تحت شعار العسكرية المصرية , وبين الساخرين من تلك الحالة ومعتبرين أنها مجرد مبالغات ساذجة يتم بها خداع الجمهمور

أماا لترند الآخر المرتبط بفيلم “الممر” فهو الفنان “محيي اسماعيل” الذي فاجأ المذيعة بعدم مشاهدته للفنان اياد نصار في فيلم “الممر” ووصف نفسه بالعبقري  ليصبح ذلك اللقاء بداية لسيل من الصور والفيديوهات الساخرة على طريقة محيي اسماعيل , وليصبح بوابة لجيل جديد لا يعرف محيي اسماعيل فيقوم باكتشاف حواراته السابقة المليئة بالطرافة والغرابة ,ويجعل من اجاباته اسلوبا للتفاعل والسخرية .

أما شهر نوفمبر فقد شهد معركتين , الأولى هي معركة تتجدد منذ 40 عاما تحت لافتة “الشيخ الشعراوي ” وقد بدأت بوصف ابنة شريف منير له بالمتطرف , ليتدفق طوفان الهجوم عليها وعلى كل من يهاجم الشعراوي , في المقابل كان هناك المهاجمون للشعراوي واستعانتهم لفيديوهات تعزز من موقفهم , وتهدأ تلك المعركة باعتذار ولكنها تظل مؤشرا على اختلاف كبير بين أفراد المجتمع ,أما المعركة الأخرى فقد بدأت من هجوم الكاتب عمر طاهر على ظاهرة قرصنة الكتب ومافيا التزوير وانتقاده للقراء الذين يساعدون التزوير بشرائهم للكتب المزورة , ليدافع بعض رواد مواقع التواصل بالدفاع عن القراء  بسبب غلاء أسعار الكتب والحالة الاقتصادية التي يعاني منها المواطن واتهامهم لدور النشر بالجشع , وتنقسم الآراء بين كتاب يعارضون التزوير ويرون أنه يمنع الكاتب من الاعتماد على الكتابة كمورد رزق ثابت , وبين كتاب لا يمانعون اذا كانت القرصنة سوف تحمل كتبهم الى مزيد من القراء .

أما شهر ديسمبر فيختتم العام على مواقع التواصل بحادثتي وفاة في نفس اليوم , لشخصين كان لهما تأثيرات مختلفة على متابعي كل منهما , المغني شعبان عبد الرحيم ,والمترجم صالح علماني ,فشعبان الذي بدأ كمغني شعبي ,اكتسب شهرته من تحوله للدمج بين اللحن الشعبي والكلمات السياسية , وعلى الرغم من خفوت أغانيه وتحولها للمديح السياسي  ,الا أنه ظل مرتبطا في أذهان المتابعين بصاحب الظل الخفيف والبساطة وطيبة القلب , أما صالح علماني فلقد كان موته مؤثرا على كل محب لقراءة الروايات المترجمة باسلوبه المميز واختياراته التي تصيب دائما في تعريفك بكتاب وروايات ستظل متعتها في ذاكرة من قرأها

12/01/2021

تشيلي: كيف يدخل الانقلاب العسكري بيوت الناس

 


في رواية «باولا» للكاتبة التشيلية إيزابيل ألليندي، تسرد الكاتبة قصة حياتها على مسامع ابنتها الواقعة في غيبوبة طويلة، ومن خلال هذا تحكي لها وقائع الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال بينوشيه في عام 1973 على الرئيس الاشتراكي المنتخب ديمقراطيًا سلفادور ألليندي.

ولأن سلفادور هو عم الكاتبة نفسها، فما يعنينا في هذا المقال هو كيفية تسلّل الانقلاب العسكري لحياة البشر العاديين، لتجمعاتهم وبيوتهم وأحاديثهم اليومية، حيث تستفيض إيزابيل في وصف تفاعلات الانقلاب وأثره على البشر والعلاقات الاجتماعية والعائلية بينهم.

في الستينيات، كانت إيزابيل ألليندي صحفية تكتب في إحدى المجلات النسائية ومقدمة لبرنامج تليفزيوني في تشيلي. لم تكن شديدة الاهتمام بالسياسة، وإن كانت تميل لتشجيع تحرر المرأة وإحداث صدمة اجتماعية تغيّر من الأفكار التقليدية الشائعة.

غلاف رواية «باولا» لإيزابيل ألليندي

في عام 1965 حقق الحزب الديموقراطي المسيحي انتصارًا كبيرًا في الانتخابات البرلمانية بعد معركة انتخابية مع اليسار، الذي كان يأمل في استثمار نجاح الثورة الكوبية التي منحت القارة اللاتينية أملًا جديدًا.

في هذه المعركة الانتخابية استخدمت الديموقراطية المسيحية سلاح التخويف من ألليندي، الذي شبّهته بالديكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين.

انهزم اليسار هزيمة ساحقة، ورأى كثيرون أن سلفادور ألليندي قد انتهى سياسيًا، متوقّعين أن يمتد حكم الحزب المسيحي لخمسين سنة قادمة، ولكن مع عدم تحقيق الحزب الديمقراطي المسيحي للنتائج المرجوة منه، تغيّرت بعض اتجاهات الناخبين. فنتيجة لتحالف بين الماركسيين والاشتراكيين والشيوعيين وفئات من الطبقة المتوسطة وآلاف الفقراء، انتُخب سلفادور ألليندي رئيسًا لتشيلي في سبتمبر 1970، أي بعد خمس سنوات من هزيمته، ليتخذ قرارًا بالتوجه لبرنامج اشتراكي دون تغيير في تقاليد البلاد الديموقراطية.

 كان هذا الترشح الرابع لسلفادور ألليندي للرئاسة، بعد أن انهزم لثلاث مرات سابقة. وقد نجح أخيرًا في مفاجأة حتى مؤيديه، ليصبح أول رئيس ماركسي منتخب في العالم.

الاستقطاب يفرّق بين المرء وزوجة ابنه

منذ بداية المعركة الانتخابية بدأ انقسام المجتمع، بين المحبين والأصدقاء وحتى داخل الأسرة الواحدة.

كان حمو إيزابيل يغطي جدران منزله بملصقات دعائية لليمين، وكان الجدال محتدمًا بينه وبين زوجة ابنه، وإن لم يصل لحد الشتائم، فالعلاقة العائلية ووجود أحفاده منعا الأمور من تخطي الحدود.

ومع فوز سلفادور توقع المهزومون اندلاع اضطرابات طبقية يهاجم فيها الفقراءُ بيوتَ الأحياء الراقية، غير أن المظاهرات لم تكن إلا مسيرات سلمية تحتفل بالفوز.

ينبؤنا هذا عن نجاح عملية «التخويف» في البلاد وقتها، فبينما كان صاحب دار النشر التي تصدر المجلة التي تعمل بها إيزابيل يجمع أمواله وأسرته لمغادرة البلاد بطائرة خاصة، كان حمو إيزابيل يسحب نقوده من البنك كما فعل العديد من الخائفين، ويستعد للهرب مع قدوم الجيوش الكوبية أو الإعدامات السوفيتية المتوقعة.

لم تتحقق المخاوف والشائعات التي كان ينشرها اليمين، بل أن سلفادور حرّر وثيقة تفيد باحترام التقاليد الدستورية ليصبح أول رئيس ماركسي منتخب في التاريخ، على حد تعبير إيزابيل.

لا يعني هذا أنه لم تكن هناك أخطاء من جانب الحكومة. فبعد أن أمّمت حكومة الوحدة الشعبية ثروات البلاد من المعادن التي كانت تسيطر عليها الشركات الأجنبية، وبعد أن وزّعت أراضي الإقطاعيات على الفلاحين ورفعت دخل الفئات الفقيرة وقدّمت لهم المزيد من الخدمات، اضطرت لطبع المزيد من النقود، في ما تصفه إيزابيل بـ«الخطأ من الحزب الحاكم»، وبالتالي وصل التضخم لدرجة غير مسبوقة وشحّت العديد من السلع، وظهرت سوق سوداء موازية لبيعها.

اشتد التوتر في البلاد، واندلعت مظاهرات احتجاجية على ندرة المؤن، عبر طَرْق الأواني المعدنية، وأصبحت صحف اليمين تنشر عناوين مثل «أيها التشيليون راكموا الحقد»، وتحرّض العسكريين على الاستيلاء على الحكم

في نفس الوقت، كانت الولايات المتحدة، التي كانت تموّل اليمين المتطرف وتحاصر تشيلي اقتصاديًا، تحاول إغراء الجنرالات للقيام بانقلاب عسكري.

اشتد التوتر في البلاد، واندلعت مظاهرات احتجاجية على ندرة المؤن، عبر طَرْق الأواني المعدنية، وأصبحت صحف اليمين تنشر عناوين مثل «أيها التشيليون راكموا الحقد»، وتحرّض العسكريين على الاستيلاء على الحكم، طالبة من سلفادور الاستقالة أو الانتحار أو إجراء استفتاء شعبي على بقائه، ليجنّب البلاد حربًا أهلية محتملة، فيما كانت إيزابيل مطمئنة لعدم احتمالية قيام القوات المسلحة بانقلاب عسكري، احترامًا منها للديموقراطية، وفيما كان سلفادور ألليندي نفسه، بحد وصف الكاتبة، شخصًا وفيًا لا يتوقع الخيانة.

في أوائل عام 1973 تطوّرت الأحداث، ليتنامى العنف بين جماعات من اليمين واليسار، حيث بدأت جماعات من اليسار تستولي على الأراضي الخاصة وتقيم عليها وحدات سكنية ومصانع مؤممة، ليشتد الخوف لدى المعارضة اليمينية التي كانت بدورها تنشر الشائعات وتحرق المحاصيل وتخفي المواد الأساسية وتدعو الناس لسحب أموالهم من البنوك لتصاب المصانع بالشلل، ثم يطرد العمال مديريهم ويتولون المصانع بأنفسهم.

كل هذا بينما تمتع التحالف الحاكم، لكثرة المشاركين فيه، بأسلوب بطيء في مواجهة المشاكل، حيث كان لا بد من اجتماعات وموافقات من كل أطراف التحالف على كل قرار. وتحولت الحياة اليومية في المدينة إلى كارثة، إما بسبب الإضرابات وتوقف وسائل النقل أو لأعمال العنف المتبادل.

كان سلفادور يدين أعمال التخريب، ولكن صوته لم يكن مسموعًا، في ظل عدم امتلاكه السلطة والقوة الكافيين لمواجهة المشاكل، ورغم كل ذلك، فعندما جرت انتخابات برلمانية في مارس 1973، ارتفع عدد الأصوات التي حصلت عليها الوحدة الشعبية الممثلة لتحالف اليسار، وعندها بدأت تنتشر شائعات بقرب وقوع انقلاب عسكري، كما حدث في دول لاتينية مجاورة، ولكن كان هناك يقين عند البعض أن تشيلي دولة ذات ديموقراطية راسخة وليست من جمهوريات الموز.

كان قائد القوات المسلحة، الجنرال براتس، من أنصار استكمال ألليندي لفترته الرئاسية، ولكن تمردًا وقع في إحدى الوحدات العسكرية تبعته مطالبات من الجيش بإقالته، حتى أقيل بالفعل، وعُيّن مكانه صديقُه، الجنرال أوجستو بينوشيه، والذي تصفه إيزابيل بأنه كان «شخصًا غامضًا لم يسمع به أحد من قبل»، وقد أقسم على احترام الديموقراطية.

أعلن سلفادور ألليندي قبوله إجراء استفتاء شعبي على بقائه في الحكم، أو إجراء انتخابات جديدة. ورحّب حمو إيزابيل بالاستفتاء باعتباره سيقضي بهزيمة الاشتراكية للأبد، كما رأى في نفس الوقت أن الجيش سيزيح سلفادور ثم تُجرى انتخابات، ولكن في كل الأحوال، لم يخطر ببال حتى معارضي ألليندي أن العسكريين، بعد إزاحتهم له، سيبقون في الحكم.

حركة تمرد ضد الرئيس المنتخب

في 11 سبتمبر 1973، بدأ تمرد قطاعات الجيش، واقترح البعض على سلفادور الدعوة لمظاهرة حاشدة لتأييده، ولكنه رفض لأنه قدّر أن هذا سيؤدي لمقتل الآلاف؛ كانت الوحدات العسكرية تسقط في يد الانقلابيين ويُصفّى كل من يتمسك بالدستور في الثكنات، بينما تقوم القوات العسكرية بحصار القصر الرئاسي، ثم تقصف القصر بالطيران وتهاجمه بالدبابات، ليخرج سلفادور ألليندي في النهاية حاملًا البندقية والعلم التشيلي ويطلق النار على نفسه، حسب الرواية الرسمية.

كانت إيزابيل بعيدة عن البيت وقتها، وعادت للمنزل مسرعة بعد ملاحظتها إطلاق النار وخلو الشوارع من البشر وعدم إذاعة شيء بخلاف الموسيقى العسكرية، ثم أتتها مكالمة سرية عرفت منها بوفاة عمها.

وعلى خلفية العلم التشيلي، ظهر في التلفزيون أربعة جنرالات معلنين قيامهم بتحرك عسكري، وكان من بينهم الجنرال بينوشيه. وأذيعت بيانات عسكرية، بمفادها فالوطن كان بين أيدي قتلة سوفييت ورجال حرب عصابات كوبيين، وكانت لديهم قائمة سوداء تضم آلاف المعارضين، ممن كانوا ينوون اغتيالهم ولكن الجنرالات استبقوا الأحداث، كما أن ألليندي قد انتحر خوفًا من فضائحه المتعددة التي كشفتها «القوات المسلحة الشريفة».

الجنرالات الأربعة في التليفزيون التشيلي

وانفجرت حالة من القمع؛ إعدامات سريعة واعتقالات وتعذيب وإخفاء قسري وفرض حظر التجوال، كما ظهرت مجموعة كبيرة من الوشاة والمتعاونين مع النظام العسكري.

كانت قوات الجيش تقتحم الأحياء وتقبض على أعداد كبيرة، تضرب بعضها من أهالي الحي، وتعذب البعض وتعيدهم أحياءً ليحكوا عن بشاعة التعذيب، كما تُلقى أجساد المتوفين الممزقة في مقالب القمامة ليعرف الجميع عقاب من يقاوم.

وفي اليوم التالي للانقلاب صدر أمر عسكري برفع العلم التشيلي على كل المنازل، وعندما جاء ضابط ليسأل عائلة إيزابيل ألليندي عن سبب عدم رفعها للعلم أخبرته أنها على صلة قرابة بسلفادور ألليندي، وأنها لو رفعت العلم فلن يكون إلا منكّسًا، حدادًا على وفاة عمها.

بعد رفع حظر التجوال، عادت إيزابيل لمجلتها ذات الطبيعة الخفيفة، وقد اجتمعت السلطات بالصحفيين لتبلغهم بقائمة المواضيع الممنوعة، بل وحتى بالمفردات الممنوعة كتابتها، على غرار كلمة «الرفيق» مثلًا، والكلمات التي يجب استخدامها بحذر مثل «العامل»، «الشعب»، و«العدالة»، أما كلمة «الديموقراطية» فلا يجب ذكرها، إلا بوصفها «الديموقراطية المشروطة» أو «الديمقراطية الشمولية».

أربع غوريللات.. أربعة جنرالات

ورغم ابتعاد المجلة عن السياسة، وظهور أول عدد، والذي كان معدًا من قبل، مع صورة لأربع غوريللات شرسة وموضوع صحفي عنها، فقد اعتبرت القوات المسلحة أن الصورة قُصد بها الجنرالات الأربعة، قادة الحركة العسكرية. وعاد صاحب المجلة، الذي كان قد هرب بمجرد نجاح سلفادور، ليفصل إيزابيل ويعين مديرًا للتحرير بديلًا عنها، لتتحول المجلة إلى مجلة نسائية تافهة، لا تعمل حتى على تحرير المرأة الذي كان غير مرحب به من قبل الجنرالات.

استمر التحول ليشمل كافة نواحي البلاد، فأعيدت الأراضي والمناجم لأصحابها الأمريكيين، وفُتحت البلاد لرأس المال الأجنبي وانتشرت العمولات والفساد وبيع الثروات البحرية والحيوانية لليابانيين.

دون أن تقصد، أصبحت إيزابيل جزءًا من شبكات مساعدة الهاربين وعلاج المصابين ومن يساعدون ضحايا النظام على اللجوء لسفارات دول أخرى هربًا من الواقع الحالي.

قوات بينوشيه تقبض على المعارضين

استطاعت إيزابيل التعاون مع بعض ممن كانوا يغيثون الضعفاء والجوعى والملاحَقين داخل الكنيسة الكاثوليكية، حتى أنها طلبت من أصدقاء زوجها من رجال الأعمال التبرع للمحتاجين بثمن الغداء الفاخر الذي يتناولونه كل أسبوع.

وبينما كان حمو إيزابيل يحتفل بانتصار الديكتاتورية ويصف ما يسمعه من قصص مأساوية باعتباره «أكاذيب شيوعية سوفييتية تستهدف النيل من سمعة تشيلي»، كانت زوجته، حماتها، تفزع عندما تسمع القصص المرعبة خشية على إيزابيل، أم أحفادها، مطالبة إياها بتوخي الحذر.

ومع مكالمات التهديد وأجواء الرعب وهجرة الأصدقاء، وتهديد إيزابيل عبر الاعتداء على أبنائها، قررت الأخيرة الخروج من تشيلي لفنزويلا، دون أن تدري أنها لن تعود إلا مع نهاية نظام بينوشيه الذي سيستمر لـ17 عامًا. وقبل سفرها هذا، قررت توديع جدها في مرضه الأخير.

وهناك، في بيت الجد المحتضر، وعندما سألته عن تورطه في حادثة قتل قديمة أجابها، فيما وصفته بأنه أول تعليق سياسي له تسمعه منه، قائلًا: «هذه البلاد تغص بالقتلة، ولكنني لست واحدًا منهم».ا

نشر في موقع مدى مصر 1 نوفمبر 2017