1/02/2022

"هيبتا" روايات التنمية البشرية.. هروب مريح من الواقع

 

من باب جانبي في القاعة يحتشد فيها المستمعون، يُدخل المحاضر ويتخذ موضعه وراء مكتب الصغير، مواجهًا جمهور أغلبه من الفتيات والسيدات. وبعد فترة ارتباك قصيرة يخيِّر المحاضر جمهوره بين خيارين؛ إما اتباع الأساليب العلمية في إلقاء محاضرته، أو اللجوء لدردشة مُبسَّطة حول موضوع المحاضرة، وهو العلاقات بين الجنسين، وكيفية إيجاد الحب.

بهذا المشهد تفتتح رواية “هيبتا” للكاتب محمد صادق، التي صدرت طبعتها الأولى في يناير 2014، لتحتل فور نشرها صدارة مبيعات معرض الكتاب ذاك العام، ويستمر نجاحها حتى أنه جرت إعادة إصدارها في عشرات الطبعات، وتحولت إلى فيلم سينمائي ناجح يحمل الاسم نفسه. وبمجرد صدورها ومع نجاحها الكبير انقسمت الأراء حولها، فبينما احتفى بها جمهورها، وجدها نقاد كثيرون رواية ضعيفة أو متوسطة المستوى على أفضل تقدير. لكن كحال الروايات الأفضل مبيعًا عمومًا وفي مصر بشكل خاص، آراء النقاد لا تعني شيئًا للقراء أصحاب القوة الشرائية، ولا للمشاهدين الذين جعلوا الفيلم المأخوذ عن الرواية يتصدر إيرادات موسم العرض.

يبرر محبو الرواية نجاحها بإغراقها في الرومانسية واستخدام عناصر تشويق ذات طبيعة سينمائية في سرد أحداث فصولها السبعة. ولكن في رأيي، فإن نجاح الرواية مؤسس على قدرة مؤلفها على صياغتها وتقديمها بشكل يستثمر تراثًا طويلاً – وإن كان حديث العهد زمنيًا- من ظهور محاضرات وكتب “التنمية البشرية”، وقيمها الخاصة بوجود مدرب حياة life coach، يساعد الناس على اكتشاف الإيجابيات و”إيجاد قوتهم الداخلية” واستثمارها لإنجاح علاقاتهم الشخصية، باستخدام تقنيات تحمل عناوين مثل “البرمجة اللغوية العصبية” و”تطوير القدرات الذاتية” و”الفكير الايجابي” وغيرها.

ما قبل هيبتا

بدأ ظهور “التنمية البشرية” في العالم العربي في الثلث الأخير من القرن الماضي، أي في نفس الفترة التي بدأت فيها كتب التنمية الذاتية تتصدر المبيعات في العالم. انتقل “التريند” للعالم العربي عبر ترجمة بعض الكتب الأمريكية الناجحة، وعلى رأسها الكتاب المؤسس لديل كارنيجي How to stop worrying and start living، الذي انتقل للعربية بعنوان “دع القلق وابدأ الحياة”.

ترافق هذا مع ظهور ونجاح أحد أعمدة هذا المجال في العالم العربي، وهو إبراهيم الفقي. وبحسب الفيلم الذي صدر عن حياته وعمله في هذا المجال بموافقة أسرته، فإن إبراهيم الفقي قد يكون هو من أدخل هذا المفهوم إلى العالم العربي، بعد نجاح كتابه الأول الصادر عام 1986.

نجاح إبراهيم الفقي أدى لظهور كثيرين احترفوا هذا المجال. ووجد الدعاة الجدد الذين علا نجمهم في نهاية التسعينات في أساليب التنمية البشرية منجمًا ينهلون منه في طريقهم الجديد، الذين كانوا يخاطبون فيه نفس جمهور إبراهيم الفقي: شباب الطبقة الوسطى الباحث عن تغيير وخلاص فردي، قد يكون طريقه إليه التنمية البشرية، أو الدين، أو خليط يجمع بين الاثنين.

أسلمة التنمية البشرية

محاضرة للداعية عمرو خالد

مع نهايات التسعينيات وبدايات الألفية الجديدة، بدأت ظاهرة “الدعاة الجدد” في الظهور والنجاح. مثّل هؤلاء الدعاة -وعلى رأسهم وقتها عمرو خالد- مزيجًا جديدًا من الدعوة الإسلامية والتنمية البشرية، مقدمين منظورًا للإسلام يشجع فكرة التركيز على النفس وتنميتها عبر تبنِّي “الأخلاق الإسلامية” مستلهمين نموذج الخلاص الفردي وتغيير الشخص من نفسه، طارحين الإسلام طريقًا للنجاح والحصول على الثروة، دون التعرض للسياسة أو الثورة أو طرح أفكار تستهدف تغيير المجتمع ككل، وهو ما لاقى هوى في نفوس الطبقة المستهدفة من خطاب مدربي التنمية البشرية، وزملائهم من الدعاة الجدد.

ومع تراجع دور الدعاة الجدد مع ثورة 25 يناير، وظهور حركة مجتمعية مناقضة لفكرة الخلاص الفردي، وما صاحبها من تغيرات كبيرة في السياسة والفكر؛ خبا نجم الدعاة الجدد لبعض الوقت، لكنه عاد للتألق مع تراجع السياسة في ظل النظام الحالي مع بعض التغيير، فتبنى عمرو خالد التنمية البشرية بشكل كامل، وابتعد عن الموضوعات الدينية التي قد تزعج النظام أو الفئات الاجتماعية المؤيدة له، فلم يعد الداعية الذي تسبب في حجاب العديد من فنانات ومذيعات مصر يذكر الحجاب في حديثه، وأصبح تركيزه على القصص الإيجابية التي تحفز من يسمعها للإحساس بالتفاؤل والتمسك بالأخلاق. وهي الفكرة التي تتبناها الدولة كما يظهر في كلمات رئيس الجمهورية التي يحرص على أن يذكر فيها أهمية الاخلاق واحترام الكبار.

كما يمثل عمرو خالد نموذجًا لنشر الافكار الإيجابية والإعلام الإيجابي الذي ينشر روح التفاؤل وتنادي به الدولة على لسان كبار مسؤوليها. ويتبعه في نفس الطريقة مصطفى حسني.

التنمية البشرية في الأدب

يتذكر عديدون بحنين وإيمان أو بسخرية لاذعة، تلك العبارة الشهيرة التي خطها الروائي بهاء طاهر في ترجمته للخيميائي “الكنز في الرحلة”.

لم تكن رواية هيبتا التي بدأنا بها حديثنا هي العمل الأدبي الوحيد، ولا حتى الأول الذي يتبنى قيم وأساليب التنمية البشرية ويستثمرها في الكتابة. فمع النجاح الكبير لكتب ومحاضرات التنمية الذاتية في الغرب، ظهرت رواية “الخيميائي” لباولو كويللو.

يتذكر عديدون بحنين وإيمان أو بسخرية لاذعة تلك العبارة الشهيرة التي خطها الروائي بهاء طاهر في ترجمته للرواية “الكنز في الرحلة”.

حققت الرواية نجاحًا كبيرًا. وتحولت معها هذه العبارة إلى واحدة من أشهر العبارات الملهمة التي يستدعيها المؤمنون بالتنمية البشرية، ويتم استخدامها والإشارة إليها كثيرا في محاضرات ممارسيها. ومعها بالطبع عبارات أخرى من الرواية ذاتها مثل “ليس هنالك إلّا شيء واحد يجعل الحلم مستحيلًا : إنه الخوف من الفشل” و”أشد ساعات اليوم ظلمةً هي تلك التي تسبق طلوع الشمس”، و”عندما تريد شيئًا ما، فإن الكون بأسره يتضافر/ يتآمر ليوفر لك تحقيق رغبتك”.

تعتمد روايات كويللو علي خليط من الإيمان ذي الصبغة الدينية غير الصريحة، والمشاعر، وحديث متكرر عن الإرادة والرحلة والبحث الذي يصل بالفرد لما يريد. تبتعد رواياته عن الاشتباك مع السياسة والواقع بشكل مباشر، فهو -كمحاضرات التنمية البشرية- مَعْنِي بالفرد، وتحفيزه على التغيير من نفسه.

أما ارتباط هيبتا بالتنمية البشرية فهو أكثر وضوحًا. تبدأ الرواية وتسير فصولها كمحاضرة لأخصائي علاقات زوجية، يتنقل بحكاياته بين مشاهد وشخصيات عديدة، يعلق عليها ويرفِقها بتعقيباته التي يقطعها تعليقات من الحضور. ويبدأ كل فصل بعبارة تشبه عبارات التنمية البشرية التي تبدو عميقة وجذرية، ولكن عند تأملها قد تبدو علي شيء من السطحية والتعميم مثل “قيل في ما مضي أن بمجرد نظرة العين يحدث العشق.. كانوا كاذبون” (الخطأ اللغوي وارد في النص ذاته). العبارة تبدو عميقة، ولكنها لا تعني شيئا على الإطلاق، وتبدو كأنها تفرض قواعد مطلقة لا تحيد عنها الحياة.

تسير الحكايات الأربعة في الرواية على المنهاج نفسه، لا تتعرض شخوصها لأية ظروف قاهرة قد تظهر فيها رائحة ظلم سياسي أو اجتماعي أو ديني. أبطال الحكايات يظهرون كشخصيات منفردة، يتخلص المؤلف من وجود الأهل عن طريق التخلص منهم في حوادث، أو ابتعادهم اجتماعيًا عن شخوص حكاياته. هذا نفسه هو أسلوب بناء الحكايات الملهمة التي يستخدمها مدربو ومحاضرو التنمية البشرية، حيث تنعزل الشخصية عن تأثيرات المجتمع، وتتخلص منها لتجد الحل داخل نفسها، ويكون سبيله “القوة الذاتية التي هي في الداخل”. فلا سبيل في التنمية البشرية للاشتباك مع المجتمع ومشكلاته.

بعد أن تتخلص الرواية من المجتمع، تلجأ للتركيز علي العاطفة واعتبارها الدافع المحرك للأشخاص. وهو ما يتماس مع عواطف القاريء -وبخاصة القارئات- وأصحاب المراحل العمرية المبكرة، وهم جمهور الرواية الأساسي. يشبه هذا أدوات التحفيز العاطفي في محاضرات التنمية البشرية، المعتمدة علي الشحن العاطفي.

تمتليء الرواية بالمصادفات العديدة، التي تبدو محركة للأحداث في تطبيق لحكمة كويللو “وعندما تريد شيئًا ما، فإن الكون بأسره يتضافر ليوفر لك تحقيق رغبتك”. وبينما توصف المصادفات بأنها الحل الضعيف دراميًا، تعتبرها الرواية يد القدر المُحقِّقَة لأحلام البشر.

يتحول الشخص إذن إلى نموذج، هو فريد ومتميز وصاحب رؤية واختلاف وعمق، فهو بطل الحكاية التي يحكيها محاضر التنمية الذاتية، وهو الصورة التي يطمح المستمع إلى أن يكون مثلها.

كذلك تمتليء الرواية بأحداث جِسام؛ موت مفاجيء وطلاق وانتحار ووفاة طفل وعمليات جراحية خطيرة وعواطف مفاجئة، لضمان جذب القاريء طوال الوقت. وهي نفس بنية محاضرات التنمية البشرية في الحفاظ على اهتمام الجمهور طوال الوقت حتى لا يفلت خيط انتباههم من يد المُحاضِر. كذلك هناك تنميط وتقسيم للشخصيات بين الشخصيات ذات الرؤية المتأملة والباحثة عن المشاعر والاختلاف وصاحبة الحس الفني، وعلي الجانب الآخر تأتي الشخصيات التقليدية كشخصيات مملة جافة، لا مشاعر لديها.

يتحول الشخص إذن إلى نموذج، هو فريد ومتميز وصاحب رؤية واختلاف وعمق، فهو بطل الحكاية التي يحكيها محاضر التنمية الذاتية، وهو الصورة التي يطمح المستمع إلى أن يكون عليها ومثلها: متميزًا عميقًا مختلفًا لا يشبه أحد ولا يشبهه أحد. أما من يبتعد عن الاندماج في التنمية البشرية ولا يبحث عن الخلاص داخل نفسه، فهو الشخص الروتيني المكرر الذي لن تجد جديدًا في حياته.

ويأتي ختام الرواية ليكشف عن مفاجأة لإدهاش القارئ، ثم يليها كشف يغير النهاية لتصبح أكثر إسعادا له. وهي حيلة درامية قديمة، لكنها تتطابق كذلك مع بنية محاضرات التنمية البشرية التي تلعب بالأساس على عواطف المتابعين. وهو ما يبين عملية الانتقاء التي يقوم بها مدربو التنمية البشرية لقصص معينة ذات نهايات بعينها، يتم استخدامها للعب علي العواطف ويكون انفعال المستقبلين لها كبيرًا، باعتبارها قصصًا واقعية من الحياة.

“هيبتا” الصادرة في 2014 هي تعبير عن شرائح من المجتمع باحثة عن العاطفة والنجاح، راغبة في الابتعاد عن ظروف مجتمعها المعقدة، تأمل في حل فردي يعتمد على إيمان الفرد بقيم معينة، وكلمات سحرية تجلب النجاح والارتياح. وهي نفس الشرائح الباحثة عن نفس الأهداف في كتب وفيديوهات ومحاضرات التنمية البشرية، هاربةً من مواجهة تحديات سياسية ومجتمعية واقتصادية لا تبدو قابلة للحل.

نشر في موقع ..المنصة

1/01/2022

حكاية مذيع مصري في اذاعة "صوت اسرائيل"

 

بدأ الأمر بحلقة من برنامج «لديّ أقوال أخرى»، للإعلامي إبراهيم عيسى، والتي أذيعت في ذكرى وفاة الشاعر الراحل صلاح جاهين، واستضاف عيسى فيها الشاعر والناقد شعبان يوسف الذي تحدث عن دور صلاح جاهين في التقديم لشعراء عامية معاصرين له مثل عبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب، كما تحدث عن تقديمه لشاعر «غريب» آخر؛ نبيه سرحان الذي أصدر ديوان «مدد يا ولد.. مدد يا بنت»، قبل أن يهاجر لإسرائيل ليعيش هناك.

قصة شاعر العامية الذي هاجر لإسرائيل لفتت انتباهي، فبدأت في البحث عن «نبيه سرحان»؛ شاعر بدأ نشاطه الأدبي في مصر في الستينيات، وكتب عنه العديد من الكتاب مثل يوسف إدريس ومحمود السعدني وخيري شلبي وعلي سالم.

متطوع في الجيش الشعبي ثم معتقل

بحسب جريدة الشرق الأوسط، ففي أواخر الستينات كان الشاعر والصحافي المصري، نبيه سرحان، يعمل في إذاعة «الشرق الأوسط» بالقاهرة، حيث ذاع صيته عبر برنامج «تأملات» الذي كان يردد فيه أشعارًا بالعامية معظمها من تأليفه، أو عبر برنامج «دعاء» الذي كان يطل منه على المستمعين طوال شهر رمضان.

ولكن أغلب التفاصيل عن الحياة الغامضة لسرحان نعرفها من زوجته المصرية الأولى، نبوية موسى، التي تحول اسمها في إسرائيل إلى «ليلى موسى».

في 2003، أجرى الموقع الفلسطيني «دنيا الوطن» لقاء مع موسى، حكت فيه أن سرحان تطوع في الجيش الشعبي المصري ليشارك في حرب يونيو 1967، وانقطعت أخباره عنها بعدها لمدة تسعة أشهر اعتقدت الزوجة فيها أنه قُتل، ولكنه عاد بعدها ليخبرها أنه كان معتقلًا في سجن أبو زعبل، والسبب هو أنه أثناء تواجده في القنطرة، زارهم مذيع من الإذاعة المصرية [تقول صحيفة معاريف في مقال آخر أن الزائر كان هو «الفريق مرتجي، قائد الجبهة الشرقية آنذاك»] وقال نبيه له: «قل لأحمد سعيد أننا مهزومون، وأن يكف عما يذيعه في الإذاعة من بيانات غير صحيحة، وما نسمعه في الإذاعة فضيحة». عندها أمر قائد المعسكر بسجنه، ليبقى في السجن تسعة أشهر.

خرج بعدها سرحان من السجن، ووافقت المطبعة على طباعة ديوانه الشعري. غير أن الأمن المصري صادر الديوان، فقرر مغادرة مصر إلى ليبيا، ولكن بعد وصوله للمنفذ الحدودي مع ليبيا أعيد للقاهرة لكونه على قائمة الممنوعين من السفر، فذهب لمكتب شعراوي جمعة، وزير الداخلية آنذاك، مطالبًا إياه بالسماح له بمغادرة مصر، ومهددًا بأنه إن لم يوافق فسيشتري بما في جيبه من نقود لافتة قماشية ويكتب عليها «يسقط شعراوي جمعة»، ويعلقها تحت مكتبه.

رد عليه جمعة بالرفض، بحجة أنه يريد مغادرة لمصر للهجوم عليها من الخارج، فتعهد نبيه بعدم مهاجمة مصر، وأخبره أنه ذاهب للبنان حيث سيساعده نزار قباني في طباعة دواوينه.

من ليبيا لليونان لإسرائيل

تحكي الزوجة أنه بعد دخول سرحان لليبيا التقى بالملك السنوسي الذي رحب به، ووافق على أن يكتب في صحيفة «العلم» الليبية، شريطة ألا يكتب في السياسة حتى لا تقع مشكلة مع النظام المصري. التزم نبيه بهذا لفترة قبل أن يعود لكتابة مقال يهاجم فيه النظام المصري، فأرسلت مصر احتجاجًا للملك السنوسي الذي قرر إبعاد سرحان وزوجته إلى دولة أخرى، مع عدم تسليمهما للنظام المصري.

رفضت دول أوروبية عدة استقبالهما، حتى أنهما كانا يبيتان في المطارات الأوروبية، وذلك حتى سمحت لهما اليونان بدخول أراضيها، واثناء سير الزوجين في شوارع أثينا، التقيا بدبلوماسي كوبي كان سرحان قد سبق أن التقى به في مصر، وأخبره الدبلوماسي ألا دولة ستقبله في أراضيها، إلا في حالة كونها «معادية لمصر».

دون أن يخبر زوجته، توجه سرحان للقنصلية الإسرائيلية في أثينا، وطلب مقابلة القنصل الإسرائيلي حينها، إيلي دويك، وكان لحظِّه يهوديًا من أصل مصري. وفي إشارة لرغبته بالعمل في الإذاعة الإسرائيلية، قال سرحان للقنصل: «لا أريد منكم سوى ميكروفون».

تأخر الرد من تل أبيب لعدة أشهر، قبل أن يأتي بالقبول، مع شرط واحد، أن يخفي الزوجان هويتهما في إسرائيل، وأن يدعيا أنهما يهوديان من أصول ليبية.

في البداية رفضت الزوجة، الحامل وقتها في ابنتها الأولى، الهجرة لإسرائيل، إلا أن سرحان وضعها أمام اختيار، أما أن تأتي معه وإما أن ترحل وحدها لمصر، فاضطرت للقبول، مع شرط آخر اشترطته على الإسرائيليين، أن يعيشا في القدس، «البقعة الطاهرة بجوار المسجد الأقصى»، وليس في تل أبيب!

طولب سرحان بمعالجة قصة لنجيب محفوظ للبرنامج الإذاعي، ونجح في الاختبار. ثم حُقّق معه نهارًا وليلًا بواسطة جهاز كشف الكذب، قبل أن تتم طمأنته بأنه «على ما لا يرام، لا يكذب وليس ‘مخربًا’». وبالتالي تقرر سفره مع زوجته لإسرائيل ليبدأ العمل في «صوت إسرائيل بالعربية».

صوت إسرائيل

أثناء مغادرته لمطار بن جوريون إلى شقته المؤقتة في «بيت عام»، يحكي سرحان في حوار أجرته معه صحيفة معاريف: «رأيت الأطفال الإسرائيليين والناس. هل هؤلاء من أردنا قتلهم؟ حتى السادات شعر بهذا وقال هذا.»

على موجات الأثير الإسرائيلي، قدم نبيه سرحان، أو باسمه الإسرائيلي الجديد، جوزف سمير، برنامجه بالعربية الذي أخذ اسم «ابن الريف»، وكان يخاطب فيه الفلاح المصري، بادئًا حلقاته بنداء «إخواني يا أبناء مصر الطيبين»، ليشتهر برنامجه بين الفلاحين المصريين الذين كانوا قادرين في نهاية الستينيات على التقاط موجات الإذاعة الإسرائيلية، ولتتردد شائعة بينهم بعد ذلك، روت عنها صحيفة اليوم السابع، مفادها أن سرحان يسرّب أسئلة امتحانات الثانوية العامة بالإجابات النموذجية للشباب المصريين.

الإعلان عن الأمسية الشعرية الأخيرة لسرحان

في إسرائيل، حرص الزوجان المصريان على إخفاء كل تفاصيل حياتهما السابقة عن الجميع، بل وحتى عن أولادهما، حياة ودينا وسامي، الذين نشأوا باعتبارهم مواطنين إسرائيليين يهودًا، يحتلفون بالأعياد اليهودية؛ يتنكرون في عيد البوريم، ويأكلون الفطائر في عيد الفصح، ولتصبح ابنته الكبرى، حياة، أول مسلمة تُجنّد في الجيش الإسرائيلي، وفق ما يرويه موقع «نقابة الصحفيين بالقدس».

ولكن في 1977 انكشف السر الكبير. وفق ما ترويه الصحفية الإسرائيلية تسيبي رومان، ففي المؤتمر الصحفي المعد للرئيس أنور السادات بمناسبة زيارته للقدس، وقف نبيه سرحان مخاطبًا السادات قائلًا: «فخامة رئيسي»، كاشفًا عن هويته الحقيقية لأول مرة في إسرائيل. وبحسب الروائي خيري شلبي، فقد جرى هذا اللقاء بين الرئيس المصري والشاعر المصري/ الإسرائيلي، في مطار بن جوريون، ووفقًا له أيضًا، فقد عبر السادات عن دهشته من وجود سرحان في تل أبيب قائلًأ: «كنا نعتقد أنك في ليبيا!»

أما وفق زوجة سرحان، ليلى موسى، في موقع «دنيا الوطن»، فقد طلب سرحان من السادات بهذه المناسبة السماح له بزيارة مصر، ووافق السادات، وذهبت الزوجة للسفارة المصرية لطلب تأشيرة دخول لمصر، وتأخرت التأشيرة لعام ونصف، وعندما جاءت التأشيرة، سافرت الزوجة مع الأولاد في زيارة سياحية لمصر استغرقت أسبوعين، ولم يسافر سرحان نفسه.

في يوم اللقاء بين سرحان والسادات، قررت تسيبي رومان، الصحفية الإسرائيلية، التعرف على حياة الزوجين. فزارتهما في البيت وتعرفت عليهما وعلى أطفالهما، حياة، 9 سنوات آنذاك، دينا، 6 سنوات، وسامي، 5 سنوات، وجميعهم سيصبحون فيما بعد فنانين مؤثرين في «المشهد الفني الإسرائيلي».

زوجته ليلى وابنته حياة

في البداية رفضت الزوجة فكرة إجراء حوار معها، ولكن بعد عدة أيام اتصلت بها وطلبت مقابلتها. تقول رومان:

«واصلنا حوارنا على مدار أكثر من ساعة، أصبحنا خلالها كأبناء العائلة. جلسنا سويًا، يومًا بعد يوم، وحكت لي عن حياتها كطفلة في القرية المصرية، عن طقس الختان البربري الذي تعرضت له، وعن اختيار رجل أكبر منها لها لتكون زوجته، وهي في سن الـ14، ما جعل حياتها تأخذ منعطفًا غير متوقع على الإطلاق. جمعت [ليلى] أحداث حياتها في كتابها ‘منفية في القدس’، الصادر عام 1981، والذي يثبت للمرة التي لا أعرف كم، أن الواقع يتفوق على أي خيال.»

في إسرائيل ضاع جواز السفر المصري لنبيه سرحان، وكانت جنسيته غير واضحة في وثيقة السفر الإسرائيلية، بحسب ما تشير صحيفة معاريف. وبالتالي عُرضت عليه الجنسية الإسرائيلية، وظل حائرًا حتى وصل للحجة التي أرضت ضميره؛ أن الجنسية الإسرائيلية ممنوحة لاسمه المختلق، جوزِف سمير، وليس لاسمه الحقيقي، نبيه سرحان.

أنا مصري مخلص لإسرائيل

في العام نفسه، 1977، أجرى تسيفي لافي، الصحفي في جريدة «معاريف» الإسرائيلية حوارًا مع سرحان. آراء سرحان في الحوار كانت أكثر من مربكة، يمكن وصفها بـ«التصهين»، ولكن لا يمكن حصرها في هذا. يقول: «صحيح أن القانون المصري يصفني بالخائن منذ أن غادرت، ولكني لا أشعر بنفسي كخائن، أنا مصري وسأظل هكذا. سأعيش مخلصًا لإسرائيل ولن أنكر ولائي لمصر. سأخدم الشعب المصري حتى عن طريق الإذاعة الإسرائيلية، عندما أخبر الشعب بالحقيقة وأشرح له حقيقة إسرائيل».

كانت رسالته في البرنامج، كما تقول الصحيفة، هي: «قبل أن تحلموا بحرب أخرى، نظّفوا أنفسكم، طهّروا مصر من الخوف ومن الديكتاتورية ومن الروس. ابنوا صناعة حديثة، ازرعوا قطنًا أفضل».

يضيف سرحان: «قمت في البرنامج بدعاية مصرية وليست إسرائيلية: لا يمكن فجأة أن تتحدثوا عن السلام وإنما ينبغي تحضير الشعب له… لكي يعرف من أجل ماذا يحارب وضد من، وعندها يقرر إن كان من المفيد له أن يفكر في الحرب. في حلقة أخرى طلبت من ناصر أن يبدأ في تعلم توراة [نظرية/ منهج] إسرائيل، وحذرته من كون الجنود المصريين الذين ماتوا أو سيموتون بأوامره سيدينونه إن وقف أمام هيئة حكمهم».

بعد أيام معدودة مات ناصر، تواصل الصحيفة، وبكى هو كطفل، «كان يحبه ولم يسامحه حتى يومه الأخير لكونه اعتمد على مساعديه ولم ينزل الشارع».

في المقابل كان يرى أن السادات ورث منهج ناصر، ولكنه يتصرف بشكل آخر، يتكلم أقل ويعمل أكثر، وبشكل عام يحب العمل بنفسه ولا يعتمد على الآخرين.

كانت هناك لحظات يرغب فيها سرحان في مغادرة إسرائيل. لم يحب «حرب اليهود»، كما تسميها الصحيفة؛ لم يحتمل أعضاء الكنيست الذين يشتمون بعضهم أو المهاجرين الجدد الذين يتلقون «كل خير» من إسرائيل ثم يغادرونها ليشوهوها.

كان يحتقر تنظيمات «المخربين الفلسطينيين»، «الجبناء واللحّاسين»، كما يسميهم أو تسميهم الصحيفة، ولكنه لم يستطع أن يفهم لماذا تُفتَّش ثياب العرب من أجل إذلالهم: ولكن إلى أين أذهب؟ يتساءل، وماذا سيحدث مع أولادي الذين يتعلمون ويتكلمون بالعبرية؟

نبيه سرحان وأبناؤه

وماذا إذا حدث السلام بالفعل؟ يسأله الصحفي الذي أجرى معه الحوار في 1977، فيرد:

«لن أترك القدس، ولكن ربما يكون لي بيت في القاهرة أيضًا. سأنشر قصائدي هنا وهناك بالعربية، وربما بالعبرية أيضًا. ما الأجمل من أن يكون هناك رمز مصري للسلام يعيش في إسرائيل؟ صحيح أني مصري، ولكني أبدًا، وبأي شكل، لست عربيًا.»

عائلة فنية كبيرة

بعد انكشاف هويته في 1977، أنجب سرحان من زوجته ليلى ثلاثة أبناء آخرين، مريم وهاجر وسارة. ولكن في نهاية القرن الماضي، انفصل الزوجان؛ تركت ليلى وأولادها البيت في «بيت جالا» بالقدس، وبقى سرحان هناك، وبعد حوالي ثلاث سنوات تزوج الفلسطينية عناد رباح وأنجب منها أمير.

أغلب أبنائه لهم حيوات فنية، في مجال الموسيقى مثل هاجر وحياة سمير، اللتين تستلهمان الموسيقى الشرقية في أغانيهما، وتغنيان أحيانًا كلمات أبيهما.

أما الابن سامي سمير فقد كانت اهتمامته سينمائية؛ مثّل في عدد من الأفلام أشهرهم فيلم «أجورا»، الذي يروي قصة هيباتيا السكندرية، وكذلك فيلمي «ميونخ» و«جسد من الأكاذيب».

غادر سرحان الحياة في 24 أكتوبر 2014 ودُفن، بحسب طلبه، في مقابر المسلمين بالقرب من نقطة تفتيش إسرائيلية في (بيت لحم) بالضفة الغربية.

قصائد عامية شعبية و«روح المثقف الثوري»

في تقديم صلاح جاهين لديوان سرحان «مدد يا ولد.. مدد يا بنت»، والمنشور في ربيع 1967، كتب جاهين أن الديوان يحمل عنصري حركة شعر العامية المصرية، وهما «الشعبية»، وتتجلى في تلك اللغة البسيطة المنتزعة من افواه الفلاحين بقرى الشرقية، حيث ولد الشاعر، و«روح المثقف الثوري»: «فحتى في أشد القصائد حزنًا واكتئابًا وظلامًا، لو حفرنا قليلًا تحت السطح لوجدناها تبشر بالمستقبل المنتصر، وتمجد العاملين على الوصول اليه، وتلعن من يعوق الموكب عن المسير».

ظل سرحان يكتب بالعربية في إسرائيل، قصائد عامية يتضح منها استمرار تعلقه بمصر، كما يشارك قصائده في صفحته على فيسبوك مستخدمًا اسم «نبيه سرحان»، وليس جوزف سمير، على غرار هذه القصيدة التي نشرها على صفحته في أواخر حياته، ويقول مفتتحها:

«بالهداوة/ حطيت كلامي/ ف كام كتاب/ السطر ناي/ والحرف… غاب/ والليل إيدين بتدق باب/ غطّاه ضباب/ والنيل عيون… مفتّحة/ والموجة كتفه صعاب/ أهلي.. بعاد عني/ ناديت يا كلمتي/ يا كل زادي ولقمتي/ على سدرها عديت/ لفيت بلاد/ ولقيت صحاب/ سبقوني/ كتبوا بدموعهم غناوي/ كلها.. حب ومعاني/ قلت/ يا أحباب/ نغمي.. مضلّش ع الرباب/ لسه الغلابا الفلاحين.. بيعرقوا/ ولسه ما تمدش قوي اللبلاب/ علشان يغطي كل بيت عريان/ ولسة عين البنية/ زايغة ع الفستان/ ولسة.. ياما كتير فيران/ بتمصّ.. عضم غيطان».

كما غنى وحيد عزت من كلماته أغنية «النخل العالي»، ويقول مفتتحها: «يا جريد النخل العالي، يا نسمة فرح عيالي، آه يا نور أخضر ملالي».

آخر أمسية شعرية لنبيه سرحان أقيمت في 2013، قبل رحيله بعام، وأخذت اسم «بقايا الحياة»، وساعدته فيها ابنته، دينا سمير، على ترجمة قصائده للعبرية.

في الأمسية قرأ سرحان قصائده، بعد أن ألقى كلمة قصيرة بالعبرية، منحازة تمامًا لإسرائيل هذه المرة، وتدين مصر تمامًا بشعبها وفلاحيها، مع استثناء وحيد من الإدانة؛ أنور السادات:

«لأسفي الكبير، لا أحد في مصر سيشعر بالسلام أبدًا. الفلاح المصري يبقى كما كان من قبل حرب الأيام الستة ربما. ولكن هذه الدولة الصغيرة الرائعة، بشعبها الرائع، الذي دعم الفلاح المصري ودعم السلام.. أقول لكم: اذهبوا من فضلكم لمصر، وانظروا إن كانت هذه الدولة يمكن أن يوجد فيها سلام، بين من ومن؟ طول الوقت يقولون إن الوضع الاقتصادي في مصر خراء. ويرجعون السبب، هل تعرفون لمن؟ للصهاينة، طول الوقت كانوا يقولون عن هذا الشعب الصهيوني، الأعداء، حاربوهم، عضوهم بأسنانكم، ولكني جئت ورأيت شعبًا رائعا، بلدًا جميلًا، وان لم أكن أبالغ، فليس هناك مثل أرض إسرائيل، وليس هناك مثل الشعب اليهودي. والمرحوم أنور السادات عندما كان هنا قال لي: يا نبيه أنت سبقتني لهذا الشعب الرائع!»

نشر في موقع “مدى مصر” الترجمة من العبرية: نائل الطوخي


12/31/2021

التحقيق مع مذيعة برنامج أطفال بسبب تحرير فلسطين..حكاية لشوقي حجاب

 

الشاعر شوقي حجاب كاتب ومعد أغاني وبرامج الأطفال الشهيرة زي "بقلظ" وعصافير الجنةوشقيق الشاعر الكبير سيد حجاب ،بيحكي عن المرة اللي اتعرض فيها للتحقيق بسبب برنامج "عصافير الجنة" اللي كانت بتقدمه سلوى حجازي وصفاء أبو السعود وغابت مرة عن البرنامج فجه مكانها مذيعة اسمها عائشة البحراوي مش مختصة ببرامج الأطفال، فبتقول للأطفال اللي عندهم 5 و 6 سنين خلال الحلقة وعلى الهوا مباشرة.. انتوا هتحرروا فلسطين، وده كان في وقت ماقبل يونيو 67 والدولة بتقول للناس اننا خلاص هنغرق اسرائيل في البحر النهارده قبل بكره، فمعنى كلام المذيعة ان قدامنا 20 سنة لحد ما نحرر فلسطين، فنتيجة لده تم استدعاء شوقي حجاب للتحقيق بتهمة "تهبيط عزيمة الشعب"، وكانت أقواله في التحقيق ان دي غلطة المذيعة واقتنعوا بأنه بريء،العجيب بعد كل ده ان شوقي حجاب ان 23 يوليو هي التجسيد الحقيقي للثورة، والأعجب انه اعلام "هنغرق اسرائيل دلوقتي" لسه بيجيب مفعول مع الناس

12/28/2021

حلمي بكر.. هوس الزمن الجميل يقترب من النهاية

 

لم يعد صوته العالي مؤثرًا، بدت نبرة صوته المستهزئة مرتعشة، أثناء استضافته في برنامج يتوقف نجاحه على سخونة الاشتباك بين الضيوف. هاجم شابين في مقتبل عمرهما حاولا التحليق خارج السرب، وأصبحت أغانيهما أوسع انتشارًا من أي وقت مضى، لم يُبد الشابان انزعاجًا من سبابه لهما. نظرا إليه باعتباره عجوزًا متعجرفًا تجاوزه الزمن، لدرجة أنه لم يجد سوى السخرية من اسمي شهرتهما، أوكا وأورتيجا.

منذ عقود، توقف الملحن حلمي بكر بطل تلك المشادة عن الإبداع، وصار يلعب دورًا جاهزًا كـ “سبّابٍ فنّي” يستضيفه الصحفيون والمذيعون كي يمارس هوايته التي صارت الآن علامة على حضوره الفني. هو الموسيقي الذي كف عن إنتاج الموسيقى وتفرغ للهجوم على كل وافد جديد عليها.

حلمي بكر ابن لزمن الرقابة على الفنون الإبداعية، الفنون المصنفة طبقيًا كما رسختها دولة يوليو، وقوانين الرقابة التي ابتدعتها تلك الدولة بدعوى حماية النظام العام والآداب ومصالح الدولة العليا.

في السنوات الأخيرة لم يبق في جعبة بكر سوى استعراض صوته العالي، يربط بين سطوته الموسيقية المفترضة، وذكوريته التي تجعله يرفض أن يراجعه أحد، حتى زوجته المُعرّضة للطرد من البيت إن اعترضت يومًا على تأخيره.

التمسح في الزمن الجميل

حفل أضواء المدينة عام 1960.

تُقدِّم المطربة وردة لجمهورها ملحنًا شابًا حصل لتوه على دبلوم المعهد العالي للموسيقى، وبدأ مشواره معها بتلحين أغنية “شوية صبر“. لكن تلك الأغنية الناجحة لم تكن كافية كي تضع اسم حلمي بكر ضمن القائمة القصيرة من ملحني جيله، الذين صار يُنظر إليهم كمجددين في الموسيقى العربية المعاصرة مثل كمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي. غير أن بكر نفسه لم يدرك ذلك.

وقع في خانة خانقة مع عبدالحليم حافظ، اقتصر عمله فيها على تلحين أغاني الدرجة الثانية التي لا تخرج عن الحفلات المنزلية.

بعدها بعامين، يستخدم كمال الطويل حلمي بكر من أجل عودة ليلى مراد إلى الغناء، ويعده بمكافأة مالية، الخطة أن يدّعِي حلمي أنه مطرب ويريد من ليلى مراد تقييم صوته، يدخل كمال الطويل إلى منزل ليلى وفي يده حلمي بكر، يدندن لها الأغنية ويعجبها اللحن، ويريد منها حضور البروفة في استوديو محمد فوزي في العتبة، فتوافق.

يعرض عليها بكر أن تغنى الأغنية أولاً له حتى ترشده، فتوافق. كانت تلك أول مرة تصعد ليلى مراد منذ زمن للغناء أمام فرقة موسيقية، انسجمت لساعات في الغناء واللحن، وحين انتهت البروفة، فاجأها بكر بأن مهندس الصوت سجل الأغنية بصوتها، واعترف لها أن كمال الطويل استخدمه من أجل تلك الخدعة.

مع الوقت، بات بكر منعزلاً عن جيله، حاول أن ينسب نفسه إلى دائرة لم تر فيه شيئًا مميزًا يجعلها تخاطر بماضيها عبر انتمائه إليها. وقع في خانة خانقة مع عبدالحليم حافظ، اقتصر عمله فيها على تلحين أغاني الدرجة الثانية التي لا تخرج عن الحفلات المنزلية، كأغنية بمناسبة قدوم مولود جديد للملك الحسن، أو أخرى بمناسبة زواج الملك عبد الله بن عبد العزيز. جاءت هذه المعلومات على لسان حليم نفسه في برنامج “منتهى الصراحة” مع الإذاعي وجدي الحكيم.

قال عبد الحليم إنه لا يحب ألحان بكر، لذلك يقصُر تعاونه معه على أغاني الحفلات الخاصة، ما ينفي حكايات بكر الفخورة التي لا تنقطع عن علاقته اللصيقة بعبد الحليم حافظ.

مع تكرار ظهوره في البرامج الحوارية، اختلفت روايات بكر نفسه لتلك المواقف. لكن الثابت في جميع الحوارات المتكررة، أن هذه الأغاني التي لحنها لا يذكرها أحد، حتى مُعدّو البرامج أنفسهم ومقدموها لم يسمعوا عنها من قبل، ولم تحقق نجاحًا يسمح لها بالبقاء في ذاكرة الجمهور.

يعيش بكر على قص روايات جميع أبطالها أموات، من ضمن ما روى أن أغنية “معندكش فكرة” التي غنتها وردة كان من مفترضًا أن تغنيها له أم كلثوم قبل أن تغادر البلاد للمرة الأخيرة من أجل العلاج بعد وفاتها. يحكي كذلك عن علاقة الصداقة التي ربطته بمحمد عبد الوهاب، وهي الحكايات التي طعنها عبد الوهاب في أوراقه الشخصية، حين قال إن رأيه في حلمي بكر أنه “يلحن للموسيقيين، فيهتم بأن يلفت نظر الملحنين أكثر من أي شيء آخر”.

إن فاتك الميري..

لكن هناك مرتكز آخر يمكن عليه قياس مدى نجاح حلمي بكر، فطالما كانت الإذاعة في ذلك العصر هي المنفذ الأساسي للغناء والموسيقى. ولكن وجود حلمي بكر في الإذاعة لم يكن بصوت ألحانه، ولكن من خلال منصبه كعضو في لجنة الاستماع التي تتحكم في اعتماد المطربين والملحنين.

يفخر حلمي بكر في لقاءاته وحواراته التلفزيونية بأنه كان وراء استبعاد محمد منير وحميد الشاعري ورفض السماح لهما بالغناء في الإذاعة عندما سمعهما لأول مرة. لا يتعرض بكر لكون أغانيهما صارت عماد العديد من المحطات الإذاعية، بما فيها المحطات الحكومية التي قرر هو يومًا استبعاد صوتيهما منها، ويفوته التعرض لدلالة ظهور هذين الصوتين اللذان كانا ضمن أصوات قادت المشهد الغنائي والموسيقى العربي منذ نهايات سبعينات القرن الماضي.

خلال تلك الفترة، ابتعد حلمي بكر عن المشهد الغنائي، اقتصرت أعماله على تلحين بعض أغاني فوازير رمضان. وتراجع اسمه أكثر عن الساحة الغنائية.

خلال تلك الفترة، ابتعد حلمي بكر عن المشهد الغنائي، اقتصرت أعماله على تلحين بعض أغاني فوازير رمضان. وتراجع اسمه أكثر عن الساحة الغنائية التي كانت تشهد تغيرات في الألحان، على يد جيل جديد محب للتجريب قادته أسماء مثل عمار الشريعي ويحيى خليل وهاني شنودة، وتبعها موجة جديدة سميت بالأغنية الشبابية بقيادة حميد الشاعري الذي كان سببًا في بزوغ نجم عمرو دياب في تلك الفترة.

أثار نجاح ذلك الجيل موجة غضب بكر، شعر أنه أُقصي من تلك التجربة، فلجأ لاستخدام منصبه كعضو لجنة استماع نقابة الموسيقيين، لإستصدار قرار من النقابة عام 1992 بوقف حميد الشاعري عن العمل، قبل أن يتعاون معه بعدها بسنوات في العمل الدعائي “الحلم العربي” الذي اشترك بكر في تلحينه مع صلاح الشرنوبي ووزعه حميد الشاعري الذي صار مكتشفًا لأغلب مواهب جيله.

الطلقة الأخيرة

يمكن القول إن إخفاق العديد من ألحان حلمي بكر يعود إلى خلوها من أي تجديد موسيقي، بالإضافة للتعقيد المتعمد في الجمل اللحنية واستعراض العضلات، كما ألمح محمد الموجي، خلال حوار تليفزيوني له مع مفيد فوزي.

ترافق هذا التراجع مع استمرار بعض الملحنين القدامى في النجاح مثل سيد مكاوي وبليغ حمدي، وظهور ملحنين من جيل لاحق على بكر، مثل عمار الشريعي وحسن أبو السعود وهاني شنودة الذين حققوا نجاحات على المستوى الفني والتجاري.

خلال التسعينات كانت لحلمي بكر محاولة أخيرة للخروج من شخصية سي السيد؛ قدم مطربة جديدة أحاطها بدعاية كبيرة في حفل ليالي التليفزيون بأغنية “أنت حر”، كان هذا الصوت للمطربة منال، وظهر بكر في مقدمة أغنيتها المصورة يلعب شخصية ملحن كبير، يقف في المطبخ أثناء إعداده القهوة، ويخط لحنًا على الجدران إذ يأتيه الإلهام. يلخص هذا الكليب رؤية بكر لنفسه كفنان من زمن مضى، يحاول فرض قواعده على الواقع. يستطيل اللحن ليصل إلى 10 دقائق، حوالي ثلاثة أضعاف زمن امتداد الأغاني في تلك الفترة.

الملل المصاحب للأغنية كشف عن غياب الروح والموهبة للملحن والمطربة. انعكس ذلك على الموسيقى والإخراج، فبدت الأغنية وكأنها أنتجت قبل إذاعتها بسنوات.

كانت النتيجة بطبيعة الحال هي فشل الأغنية وغرق مطربتها في النسيان، استمرارًا لهزيمة بكر الجماهيرية أمام الشكل الأحدث للأغنية وقتها، المتجلي في الفيديو كليب.

انسف حمامك القديم

هذا لا يعني أن بكر لم يقدم ألحانًا ناجحة؛ لكن عدد الألحان الناجحة له مقارنة بمشواره التلحيني الذي بدأ في عام 1960 يبدو قليلاً. أبرز هذه الألحان “فاكرة وناسية” و”مهما الأيام” لنجاة، و”عرباوي” لمحمد رشدي، و ع اللي جرى لعليا التونسية، وبعض ألحان الفوازير لسمير غانم ونيللي وأغاني مسرحية “سيدتي الجميلة” لفؤاد المهندس وشويكار .

مع دخول الألفية وظهور الفضائيات، قرر بكر لعب دور جديد بعيد عن التلحين، بعدما أعجبه دور المهاجم الشرس لمعظم التجارب الغنائية الجديدة. وجد بكر في المعارك الشخصية مع مطربين صغار مكانة أبوية حلم بالسلطة التي تمنحها طويلا.

أحبت البرامج الساخنة شخصيته الجديدة: شيخ حارة يترحم على زمن الفن الجميل، وضيف في الحوارات الساخنة التي تنتهي بتبادل الشتائم على الهواء.

كمرتضى منصور، صار حلمي بكر ضيف مضمون، سيشهر لسانه في مواجهة الجميع، صاحب تصريحات متناقضة، يهاجم مطربًا اليوم ويمدحه غدًا، والعكس. قادر على الخوض في جميع الموضوعات من الموسيقى للأغنية المصورة، ومن تأييد السيسي إلى استعراض تعدد زيجاته وحياته الشخصية.

عوض حلمي بكر عدم نجاحه الفني بتلك الشخصية الزبونية في الفضائيات. صار نجمًا للتوك شو وحارسًا على قيم الفن، حتى لو اضطر لـ”الردح”. يمارس عملية تنفيس، يقوم بها نيابة عن الجمهور المحب لإطلاق طاقاته العدوانية ضد النجوم الذين يحبهم ويحسدهم في نفس الوقت.

نشر في موقع المنصة

12/15/2021

رضا أمين.. وجناني دا عين العقل

 

في بدايات التسعينيات ظهر فيديو مصور لأغنية “المليونيرات”، من كلمات رضا أمين، وألحان فاروق الشرنوبي، وغناء مدحت صالح، والتي تحولت كلماتها إلى شعار حياة لشباب التسعينيات، وامتد تأثيرها إلى شباب الأجيال التالية.

ويروي الشاعر رضا أمين أنه قد كتب هذه الأغنية، ولم يرغب في ظهورها لمدة 20 عامًا، لأنه اعتبر أنها تكشف شخصيته بشكل يخجله، ولكن إغراء مدحت صالح المادي جعلها تظهر للنور.

أصبحت “المليونيرات”، بكلماتها المتمردة والبوهيمية، عنوانًا للتمرد وكسر المألوف؛ فيكسر فيها رضا أمين العديد من تقاليد الطبقة الوسطى، فيدعو للإسراف عند توفر النقود، وعدم الخوف عند الإفلاس، في حين تحرص الطبقة الوسطى على توفير الأموال عند وجودها، وتخاف من الوصول إلى مرحلة الفقر.

ويزداد تحدي الأغنية بمدح الجنون، الذي هو “عين العقل”، بل وذم العقل، الذي يصفه بالداء، بل ويتحدى من يسمعه ويحفزه قائلا “تقدر تتجنن زيي؟” ليشرح له متعة جنونه، وهي السهر حتي الصباح، ورفض النصيحة، وإقامة الصداقات مع الجميع دون النظر إلى مستواهم المادي، “البيه صاحبي، والفقري”.

ويقدم مثالا ليوم من الصعلكة، يحدد مواقيته عن طريق الوجبات الثلاث التي يتناولها؛ فهو يتعشى في باب الخلق، الحي الشعبي، ثم يقرر الذهاب إلى الإسكندرية، ليفطر هناك. ونتيجة لمغامرته غير المحسوبة، فلن يجد المال اللازم لتناول الغذاء، ولكن ذلك لا يمثل له مشكلة، فهو لن يلعن الأزمات.

نجحت الأغنية، التي قال كل صناعها أنها تصور حياتهم، وأحس الكثيرون ممن سمعوها بأنها تعبر عنهم، وتمنوا أن يعيشوا تلك الحالة من الصعلكة، وكسر القواعد، والابتهاج دون الخوف من العواقب.

“المليونيرات” هي أنجح أغاني الشاعر رضا أمين، ابن حي شبرا، وخريج كلية التجارة، والذي تعرَّف في شبابه على الشاعرين عبد الرحيم منصور، وأمل دُنقُل، والكاتب لينين الرملي، كما اقترب من صلاح جاهين، وتعرف على شاعر آخر في بداياته هو جمال بخيت. وكانت أول أعمال أمين هي أغنية “أحب أعيش” لعلي الحجار، وهي من ألحان حسين ومودي الإمام.

ساهم رضا أمين في نجاح العديد من المطربين؛ فقدم لعمرو دياب، في بداياته، “شوقنا”، و”خالصين”، ولحنان أنجح أغانيها “الشمس الجريئة”، و”أصعب بكا”، وقدم “تيجي نغني” لأنوشكا.

وهذه الأغنية تجربة موسيقية مختلفة؛ فهي تنتمي إلى أسلوب حسين ومودي الإمام في الموسيقى والغناء، الذي يبدو بعيدًا عن طريقة غناء علي الحجار، ولكن هذا التعاون أنتج عملًا مختلفًا.

ويبدو رضا أمين أيضا متمردا في هذه الأغنية. ولكن التمرد هذه المرة يظهر في العلاقات العاطفية، فهو حبيب محدد وواضح، قرر إنهاء العلاقة، دون لف أو دوران “جايلك علشان أنهي السكوت”، “لو تسمحي ما تحبنيش”.

وتعترض الأغنية علي التعبير الشعبي “بحبك موت”، فهو يعتبره تعبيرًا عن زمن مضى، أما الآن ف”أحب أعيش”، فحب الحياة هو الأساس “قلبي هواه ويا الحياة”. ولن يحب علي طريقة المآسي والمبالغات “بيحبوا موت”. وفي تشبيه مبتكر يصف قلبه بمركب الأمل، وشوقه بالشراع، وأن هواها يتسبب بضياع المركب.

أغنية متمردة علي أغاني العشق التقليدية، التي يتردد فيها العاشق، ويخاف من الفراق، ويبحث عن أسباب وهمية مثل “العذول والعواذل”، فالعاشق هنا بروح جديدة، محبة للحياة أكثر من حرصها علي علاقة عاطفية غير مثمرة.

ساهم رضا أمين في نجاح العديد من المطربين؛ فقدم لعمرو دياب، في بداياته، “شوقنا”، و”خالصين”، ولحنان أنجح أغانيها “الشمس الجريئة”، و”أصعب بكا”، وقدم “تيجي نغني” لأنوشكا، في تجارب منها العاطفي، ومنها أغنيات تحاول الخروج عن الأغنية التقليدية، بكونها تصف البحر والحياة والدموع.

“مبسوطة”، أو “ماشية وساعتي مش مظبوطة”، هي الأغنية التي صنعت نجومية “سيمون”، وهي عبارة عن تعريب لأغنية Susanne Vega – Tom’s Diner، فهي تعتمد على نفس اللحن مع كلمات مصرية.

وتظهر براعة رضا أمين في استطاعته وضع الكلمات على لحن غربي، وذلك دون أن يحس المستمع بغرابة في إيقاع الكلمات، أو بكونها مصطنعة لملاءمة اللحن. وقد استوحى رضا أمين الكلمات من أجواء الأغنية الأصلية، والتي تصف فيها المغنية ما يدور حولها وهي تشرب قهوتها، لتتحول الأغنية لوصف للشارع المصري من خلال عيون فتاة مصرية، وما يمكن أن يقابلها من مصاعب: “ع الرصيف واحد بيعاكس”، “وتقول عايزة يا إما هأزن”، أو أشياء جميلة، مثل “بياع جرايد”.

ووسط كل ذلك هي واثقة من نفسها، ومن صوت حبيبها، الذي تحمله داخلها. في واحدة من أنجح الأغاني التي قُدمت بلحن غربي. وتظهر براعة رضا أمين في اختياره لقافية غير معتادة وصعبة؛ (فن – بيزن – في السن – الجن – لحن – يحن)، لتؤدي به لأغنية مميزة لا تزال في الذاكرة.

يرتبط جمال المدينة عند رضا أمين بالليل والسهر، فتبدأ أغنية “لحظة صفا” بانطفاء ضوء الفتارين، واختفاء الزحام، لتفصح المدينة عن جمالها المختبئ وسط زحام النهار.

“لحظة صفا”، هي أغنية الختام لفيلم “الباشا”، من ألحان ياسر عبد الرحمن، وهي الأغنية التي تعبر عن تصالح المغنية مع مجتمعها ومدينتها، في نهاية الفيلم.

يرتبط جمال المدينة عند رضا أمين بالليل والسهر، فتبدأ الأغنية بانطفاء ضوء الفتارين، واختفاء الزحام، لتفصح المدينة عن جمالها المختبئ وسط زحام النهار، لتصبح اللحظة مناسبة للاقتراب من المدينة ومحبتها، بعيدا عن الشارع، الذي يغلق الأبواب في وجهنا عند الظهيرة، ليصبح ونيسا بعد منتصف الليل، يمنح الدفء والونس، ويعطي الأمل لخطوة جديدة، وحلم جريء، يقضي علي الخوف.

توفي الشاعر “رضا أمين” في ديسمبر/كانون الأول 2011، عن عمر يناهز 60 عامًا. ليغادر الحياة شاعرٌ أسهم بشكل بارز في أغنيات الثمانينيات والتسعينيات، بصوت مختلف، ومشاعر جميلة، وحب دائم للحياة والحرية والتمرد.

حوار لرضا أمين مع مجلة صباح الخير

نشر في موقع “المنصة”

12/08/2021

ترندات الثقافة والفن ..موت وسخرية 2019

ترندات جمع “ترند” وهو تصاعد الاهتمام بموضوع أو شخصية ما على مواقع التواصل الاجتماعي أو محركات البحث , وخلال عام 2019 تنوعت الترندات المرتبطة بالثقافة والفن , ولكنها بشكل كبير دارت في فلك الموت والسخرية , فلقد اصبحت مواقع التواصل وسيلة للسخرية وأحيانا العدوانية وفي نفس الوقت مواجهة الموت الذي يتجسد في وفاة المشاهير بردود أفعال تتنوع في أوجه يمكن منها استشفاف تناقضات المجتمع .

بدأ عام 2019 بصورة لروبي من أحد أعياد الميلاد أصبحت تستخدم في وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن عدم التصديق والسخرية من الكلام غير المنطقي أو المبالغ فيه

وفي يناير أيضا توفي الفنان سعيد عبد الغني والذي يبدو أن وفاته كانت متشابهة مع مشواره الفني , فلم تثر الكثير من ردود الأفعال ربما لكبر سنه أو توقفه عن التمثيل منذ فترة كبيرة قبل وفاته .

أما في شهر ابريل فكانت وفاة الفنان محمود الجندي أكثر تفاعلا , فالجندي صاحب تاريخ فني كبير ومتنوع وأدوار عديدة ارتبط بها الجمهور من خلال التليفزيون والمسرح والسينما , وصاحب حضور وألفة صنعها من خلال مشوار فني طويل ,ولم يقتصر حضوره على التمثيل بل ارتبط أيضا بغنائه وصوته الجميل واستمر حضوره حتى مع تقدمه في السن , ولكن العامل الأكثر تأثيرا في تفاعل العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي كان قصة “توبة” الجندي وهي القصة التي رواها الجندي بعد الحريق الذي أصاب منزله واعتبره الجندي رسالة من السماء مضادة لتوجهه “العلماني” أو غير المتدين , وأصبح كثير من رواد مواقع التواصل وبخاصة أصحاب التوجه الاسلامي يقومون باصدار أحكام سماوية بالترحم على هذا الفنان أو الشماتة في موته واعتباره ذاهب الى الحساب العسير عن ما فعله في حياته .

كذلك شهد شهر ابريل اطلاق ألبوم “أبناء البطة السوداء” لفريق كايروكي والذي لاقى تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل فالفرقة تحظي بشعبية كبيرة بين الشباب , وتعبر بشكل كبير عن حالة تمرد  سياسي واجتماعي , وكانت أبرز أغاني الالبوم “كان لك معايا” والتي مزجت فيها الفرقة بين غنائها وبين مقطع لأم كلثوم , ليصل عدد مشاهدات الأغنية على موقع اليوتيوب ل 24 مليون مشاهدة حتى الآن.

أما في شهر مايو ومع حلول شهر رمضان فلقد كانت هناك خيبة أمل من مستوى مسلسلات رمضان والتي اتبعت المعايير الموحدة  والتي سيطرت على أغلبها الشركات التابعة للجهات السيادية , وما زاد من غضب واستياء المتابعين هو الظهور المفاجيء لتطبيق watch it التابع ل “اعلام المصريين” بالتزامن مع عدم اتاحة الأعمال الدرامية على موقع اليوتيوب وحجب المواقع التي تقوم بعرض هذه الأعمال بشكل غير شرعي , وقد أدى غضب رواد مواقع التواصل الي اتاحة التطبيق بشكل مجاني طوال شهر رمضان ,وتأجيل تحوله الى تطبيق مدفوع الثمن ,كذلك شهد شهر رمضان اهتمام مواقع التواصل بايقاف برنامج بسمة وهبة “شيخ الحارة” وذلك بسبب واقعة تنمر خلال حلقة الممثل “ماجد المصري ” , بينما رأى البعض أن السبب الحقيقي في ايقاف البرنامج هو اجتذاب البرنامج وقناة “القاهرة والناس” للمشاهدين والاعلانات بعيدا عن القنوات التابعة ل”اعلام المصريين” , وقد ظهرت “بسمة وهبة” مؤخرا في فيديو من خارج مصر تطالب فيه بتوسيع هامش الحرية في الاعلام  , وهو ما اثار الاستغراب خاصة أن زوجها هو اللواء السابق علاء عابد رئيس لجنة حقوق الانسان في البرلمان المصري .

كذلك شهد شهر يونيو خبرا اهتمت به مواقع التواصل وهو تحويل سلسلة “ماوراء الطبيعة” للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق  لمسلسل على شبكة NETFLIX من انتاج محمد حفظي واخراج عمرو سلامة , وهو الخبر الذي أسعد الكثيرين وأقلق البعض بسبب احتمال أن يفسد المسلسل الصورة السابقة عن السلسلة , وانشغل المتابعون بمحاولة توقع أو ترشيح بطل يقوم بدور دكتور رفعت اسماعيل وكان أبرز المرشحين هم عبد العزيز مخيون ومحمود حميدة وهشام سليم ,و قاموا بالفعل  بتصميم صور وبوسترات تحمل ترشيحاتهم , ولكن لاحقا جاء اختيار أحمد أمين بمثابة مفاجأة غير متوقعة استنكرها البعض وطالب آخرون بالتريث حتى مشاهدة العمل.

أما شهر أغسطس فقد شهد وفاة كل من فاروق الفيشاوي وعزت أبو عوف فلقد اختلفت ردود الأفعال فبينما استرجع البعض فيديو لأبو عوف يحذر فيه من 30 يونيو ويطالب فيه بالانتظار ل 4 سنوات حفاظا على الديموقراطية ,كانت وفاة فاروق الفيشاوي أكثر تعقيدا بسبب تعدد جوانب شخصيته فهو النجم السينيمائي والتليفزيوني وصاحب المواقف السياسية المؤيدة لحمدين صباحي والمعارضة للسيسي ,وصاحب تجربة ادمان مخدرات وزيجات وعلاقات نسائية متعددة , وابن مثير للجدل بتصرفاته وزيجاته , وعدم اظهاره لمظاهر التدين برغم معرفته بأنه قد أصيب بمرض السرطان ,فقد ذلك الى اتخاذ  جزء كبير من الجمهور “الاسلامي” موقف الوعظ والترهيب واعتبار الاصابة والسرطان عقابا الهيا وعظة لمن لم يتعظ , في مقابل من أحبوه وفنان بغض النظر عن حياته الشخصية .

واتسم شهر أكتوبر بالعديد من الترندات التي ارتبطت بشكل ما بفكرة العسكرية المصرية , فلقد بدأ الشهر بالدعاية المكثفة لعرض فيلم “الممر” في القنوات المصرية لأول مرة , والفيلم الذي تدور أحداثه خلال شهر أكتوبر أثار الكثير من جدل مواقع التواصل بين من سعدوا به كفيلم يغرس الانتماء والوطنية وحب الجيش المصري وبين من رأوا أن الغرض من الفيلم هو الدعاية للنظام الحالي القائم على فكرة تفوق العسكرية المصرية ,وبين من سخروا من تضخيم أهمية الفيلم ومشاهدته بسؤالهم عن احتمال نزع الجنسية المصرية أو الحرمان من بطاقة التموين لمن لم يشاهد الفيلم , تبع ذلك الترند آخر مرتبط به وهو الفنان أحمد فلوكس وظهور صور له وتصريحات أحس منها البعض أن فلوكس يتصرف كصاحب دور وطني وك”شهيد” وليس مجرد ممثل قام بدور في فيلم حربي , مما أثار موجة من السخرية من تلك الفكرة , وتمت مواجهتها بحملة لدعم فلوكس , ليصبح فلوكس هو مجرد عنوان لصدام بين من يؤيدون الحالة “الوطنية” التي ينصهر فيها الجميع تحت شعار العسكرية المصرية , وبين الساخرين من تلك الحالة ومعتبرين أنها مجرد مبالغات ساذجة يتم بها خداع الجمهمور

أماا لترند الآخر المرتبط بفيلم “الممر” فهو الفنان “محيي اسماعيل” الذي فاجأ المذيعة بعدم مشاهدته للفنان اياد نصار في فيلم “الممر” ووصف نفسه بالعبقري  ليصبح ذلك اللقاء بداية لسيل من الصور والفيديوهات الساخرة على طريقة محيي اسماعيل , وليصبح بوابة لجيل جديد لا يعرف محيي اسماعيل فيقوم باكتشاف حواراته السابقة المليئة بالطرافة والغرابة ,ويجعل من اجاباته اسلوبا للتفاعل والسخرية .

أما شهر نوفمبر فقد شهد معركتين , الأولى هي معركة تتجدد منذ 40 عاما تحت لافتة “الشيخ الشعراوي ” وقد بدأت بوصف ابنة شريف منير له بالمتطرف , ليتدفق طوفان الهجوم عليها وعلى كل من يهاجم الشعراوي , في المقابل كان هناك المهاجمون للشعراوي واستعانتهم لفيديوهات تعزز من موقفهم , وتهدأ تلك المعركة باعتذار ولكنها تظل مؤشرا على اختلاف كبير بين أفراد المجتمع ,أما المعركة الأخرى فقد بدأت من هجوم الكاتب عمر طاهر على ظاهرة قرصنة الكتب ومافيا التزوير وانتقاده للقراء الذين يساعدون التزوير بشرائهم للكتب المزورة , ليدافع بعض رواد مواقع التواصل بالدفاع عن القراء  بسبب غلاء أسعار الكتب والحالة الاقتصادية التي يعاني منها المواطن واتهامهم لدور النشر بالجشع , وتنقسم الآراء بين كتاب يعارضون التزوير ويرون أنه يمنع الكاتب من الاعتماد على الكتابة كمورد رزق ثابت , وبين كتاب لا يمانعون اذا كانت القرصنة سوف تحمل كتبهم الى مزيد من القراء .

أما شهر ديسمبر فيختتم العام على مواقع التواصل بحادثتي وفاة في نفس اليوم , لشخصين كان لهما تأثيرات مختلفة على متابعي كل منهما , المغني شعبان عبد الرحيم ,والمترجم صالح علماني ,فشعبان الذي بدأ كمغني شعبي ,اكتسب شهرته من تحوله للدمج بين اللحن الشعبي والكلمات السياسية , وعلى الرغم من خفوت أغانيه وتحولها للمديح السياسي  ,الا أنه ظل مرتبطا في أذهان المتابعين بصاحب الظل الخفيف والبساطة وطيبة القلب , أما صالح علماني فلقد كان موته مؤثرا على كل محب لقراءة الروايات المترجمة باسلوبه المميز واختياراته التي تصيب دائما في تعريفك بكتاب وروايات ستظل متعتها في ذاكرة من قرأها