t
من المعتاد أن تكون الأعمال الفنية التي تظل في ذاكرة الناس هي الأعمال التي بذل مبدعوها مجهودا كبيرا فيها، من كتابة وتحضير وإخراج وابتكار،ولكن تلك القاعدة تجد من يكسرها،فمن الأعمال الفنية التي تحولت لتراث كوميدي مسرحي في مصر، مسرحية الأستاذ مزيكا من انتاج عام 1978 ومن بطولة سمير غانم ونوال أبو الفتوح وابراهيم سعفان ومي عبد النبي،والتي يعرفها الجمهور بمسرحية عبد السميع اللميع ، ماسح الأحذية الذي يرغب في دخول مجال السينما فيضطر لانتحال شخصية ملحن مشهور
المسرحية من تأليف "مجدي الابياري" ومن الواضح أنها مقتبسة من واحدة من المسرحيات الكوميدية الفرنسية التي كان يقتبسها المسرح المصري في الثلاثينات والأربعينات، المعتمدة على سوء الفهم وانتحال الشخصية، والتي أعيد اقتباسها مرات عديدة في المسرح والسينما المصريين، كما نشاهد في فيلم "سي عمر" لنجيب الريحاني، القائم على التشابه الشكلي بين فردين أحدهما صعلوك وعضو في عصابة والآخر عمر بك ابن العائلة الثرية الغائب في الهند والذي ينتحل الصعلوك شخصيته، فقصة المسرحية ليست جديدة أو مبتكرة، بل وليست منطقية عندما تم نقلها للعصر الحديث، فليس مقبولا أن لا يعلم أهل فتاة ثرية في الصعيد في السبعينات شكل ملحن مشهور فلقد وصلت الصحف والتليفزيون للصعيد قبل ذلك بكثير.
وثاني العوامل التي لا يًفترض أن تؤدي لنجاح المسرحية هي السرعة والاستسهال في تنفيذها، فمن المعروف أن العمل المسرحي الناجح يحتاج لبروفات عديدة حتى يتقن الممثلون الأداء، ويحفظوا النص ويتفاعلوا مع الشخصيات، ثم لأيام عرض طويلة يتطور فيها الارتجال لدى الممثلين خاصة في المسرحيات الكوميدية التجارية، وهذا ما لا ينطبق على مسرحية "الأستاذ مزيكا" التي لم يستغرق عرضها سوى يوم واحد حسب رواية "سمير غانم" في برنامج تليفزيوني وثلاثة أيام حسب رواية الفنانة مي عبد النبي في لقاء إذاعي، وأعتقد أن رواية مي هي الأقرب للواقع حيث كانت تتحدث عن ارتجال سمير غانم وعن تغير ارتجالاته خلال أيام العرض الثلاثة.
فالمسرحية تنتمي لمسرحيات المقاولات التي يتم إنتاجها على عجل، وبدأ ظهورها في السبعينات بتمويل خليجي من أجل سوق الفيديو،وهو ما انتقل للسينما المصرية في الثمانينات، والغالبية العظمى من أعمال المقاولات سقطت من ذاكرة المشاهدين ومن ذاكرة صناعها ولا يذكرها أحد إلا على سبيل السخرية من مستواها الفني الهابط.
كيف حول سمير غانم الأستاذ مزيكا عن مسارها المنتظر؟ الاجابة بدون مبالغة هي عبقرية سمير غانم في الارتجال،فكما يقول أعجبته المفارقة بين مهنة البطل كماسح أحذية ويبدو أنها لمست وترا داخله تماس مع "مزاج رايق" ليحفظ المشاهدون المسرحية ويحبون الشخصية ومواقفها لسنوات طويلة بعد عرضها تليفزيونيا بشكل غير متوقع
قد تكون العبقرية وسيلتك للتفوق والظهور،ولكنها قد تدفع بك لغرور يدفعك للخلف،وهو المزيج الذي ظهر في مسيرة سمير غانم الذي قاده إعجابه بقدرته الفائقة على تحويل نصوص عادية لمادة ضحك غير عادية من خلال الارتجال، للاعتقاد بأن ذلك ممكن في كل الأحوال وطوال الوقت، وهو ما أسفر عن كونه واحد من أكثر النجوم مشاركة في أفلام المقاولات التي استنفذت طاقته الكوميدية وهبطت بأسهمه في السينما و أفقدت ثقة الجمهور في جودة الفيلم الذي يحمل اسمه، أما في المسرح الذي كان مشروعه الفني الحقيقي، فلقد ظل أكثر اهتماما بالعروض المسرحية غير التليفزيونية، ولكن كثرة أعماله ومرور الزمن وتغير أشكال الكوميديا،أدت لاستنفاذ قدراته الكوميدية الارتجالية وتكرار بعضها، وهو ما أدى لهبوط المستوى الفني لمسرحياته بعد "المتزوجون" و "أهلا يا دكتور"، ويصبح اعتماده على السخرية من شكل وملابس المشاركين معه،أو اللجوء لأشكال الضحك القديمة من ارتداء ملابس السيدات والاعتماد على رصيده السابق وحضوره المستمر، فالعبقرية في الارتجال لن تكفي وحدها للاستمرار لوقت طويل فغياب إدارتها وعدم الاهتمام بكل عناصر العمل الفني سيجعلها تختفي لسنوات وتظهر اختفت وتظهر في ثلاثة أيام.
صور من فيلم سري للغاية
مع استحواذ الشركة المتحدة التابعة للمخابرات على أغلب الانتاج الفني في مصر،دون رقابة من اي جهة على المستوى الفني والانفاق المالي،كانت هناك العديد من الكوارث القنية والسياسية التي أدت اما لعدم عرض بعض الأعمال،أو تحولها لأعمال هزلية يهاجمها الجميع.
1- فيلم سري للغاية
وهو الفيلم الذي قيل أنه قد تكلف 100 مليون جنيه لرواية ما حدث في 30 يونيو،وكتبه وحيد حامد وأخرجه محمد سامي،والذي قام فيه أحمد السقا بتجسيد شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي ثم تم منعه من العرض واختفى في ظروف غامضة،يفسرها الكاتب بلال فضل بأن السيسي لم يعجبه الفيلم وخصوصا أداء السقا،مما أدى لدفن الفيلم.
2- مسلسل "نسل الأغراب"
مرة أخرى يجتمع أحمد السقا مع المخرج محمد سامي في كارثة فنية وهي "نسل الأغراب"،ومعهم باشا مصر أمير كرارة،ولؤلؤ المسلسلات وزوجة المخرج "مي عمر"، في مسلسل تكلف الملايين ولم يلق سوى سخرية المشاهدين،وما تبعها من خلاف بين محمد سامي والمنتج تامر مرسي،تعددت الأقاويل حوله ولكنه انتهى بخسارة الاثنين،فقد "مرسي"موقعه على قمة الشركة المتحدة وفقد"سامي" مكانه السنوي في مسلسلات رمضان.
3- فيلم "السرب"
مرة أخرى يجتمع "السقا" مع "تامر مرسي" منتج "سنرجي"ومجموعة ضخمة من النجوم، في عمل "وطني" يوثق الضربة الجوية المصرية في ليبيا ردا على مقتل الأقباط المختطفين بواسطة "داعش"،وقد تم انتاج الفيلم في أجواء شحن معنوي تهدف لدعم التدخل المصري العسكري في ليبيا،ولكن مع اقتراب عرض الفيلم،تغير الموقف السياسي ليميل نحو التهدئة والحوار مع كل أطراق الأزمة الليبية، ليصبح من الغباء عرض فيلم يتغنى بضربة جوية داخل ليبيا،في الوقت الذي نسعى فيه للسلام،ويلحق الفيلم بنظيره"سري للغاية" كأفلام سرية لم يشاهدها الجمهور.
4- مسلسل "الملك"
وهو المسلسل الذي أنتجته "سنرجي" من أجل تصوير السيسي في دور "أحمس" قاهر الهكسوس،وكان من بطولة "عمرو يوسف"،وقد أثار البرومو الخاص به سخرية وانتقادات المشاهدين والمتخصصين،بسبب الكم الهائل من الأخطاء التاريخية والشكلية،ومحاولة محاكاة الأفلام الأمريكية والمسلسلات التركية في العصر الفرعوني،وهو ما اضطر الدولة التي كانت فخورة بموكب المومياوات لمنع عرض هذا المسلسل الذي سيفسد تأثير الموكب، ليختفي المسلسل عن الأنظار، أما علاقة أحمد السقا بهذا المسلسل فتتمثل في كونه العمل الأول لياسين أحمد السقا,ابنه الذي كان من المفترض أن يطل علينا من خلاله.
ليستمر مسلسل اهدار مئات الملايين من الجنيهات دون حساب،ويستمر الفنان أحمد السقا في أعماله "الوطنية" وآخرها الاختيار 3 من اجل مصر التي لا نعرف كيف تحيا
في رمضان الحالي كريم عبد العزيز ظابط أمن دولة في الاختيار3،ومندوب دعاية لهشام طلعت مصطفى في إعلانات مدينتي،وده أقرب مثال ليه في الواقع هو محسن السكري،ظابط أمن دولة،ومندوب هشام طلعت لقتل سوزان تميم،والالطف كمان إنه إعلان كريم بيركز على كاميرات المراقبة اللي بتأمن المدينة،وهي نفسها اللي أثبتت الجريمة على السكري في دبي.
من أجل مشاهدة مباراة ليفربول وتشيلسي توجهت لأحد الكافيهات،كنت قد جلست فيه لمشاهدة مباراة مصر والسنغال في نهائي كأس الأمم الافريقية،وقد أعجبت بالشاشة الكبيرة والصورة عالية الجودة،فلقد كانوا مشتركين في الشبكة الناقلة للبطولة،ولكن مع الجلوس لمشاهدة ليفربول وجدنا الصورة قليلة الجودة واكتشفنا أن السبب أن الكافيه يعرض المباراة من خلال شبكة الانترنت بشكل غير قانوني وهو ما يؤدي لانخفاض جودة الصورة، استكملنا الجلوس على مضض فالمباراة ستبدأ قريبا،مع بداية أحداث المباراة لاحظت وجود كافيه على الرصيف المقابل يعرض المباراة وبالتدقيق في ما يعرضه،اكتشفت أنه يعرض المباراة ونتيجة لأنه يعرضها مباشرة دون استخدام شبكة الانترنت،اكتشفت أن البث هناك يسبق ما نشاهده بدقيقتين تقريبا،وهو ما يعني أنني لو ركزت النظر على الجهة المقابلة يمككني معرفة ما سوف يحدث في المباراة بعد دقيقتين،ليصبح السؤال،هل أود مشاهدة المستقبل،واكتشفت أن الاجابة هي لا، لأن ذلك سوف يفسد مشاهدتي للمباراة فسوف أعرف أن هذه التسديدة لن تدخل المرمى وأن ضربة الجزاء سيتم تسجيلها،واذا كانت معرفة مستقبل مباراة كرة قدم بعد دقيقتين ستفسد متعتها،فما بالك بمعرفة مستقبلك بعد عام مثلا،لو عرفت أنك سوف تنجح في الامتحان فلن تذهب للجامعة وربما لن تحضر الامتحان،فالنتيجة معروفة،سيفقد كل شيء معناه لأن عدم معرفة المستقبل هو الدافع الرئيسي للمحاولة والحياة،لماذا تشاهد فيلما تعرف نهايته ومباراة تعرف نتيجتها وتدخل في علاقة تعرف مصيرها،متعة الحياة في المحاولات والأمل للوصول لنتيجة لا تعرفها قد تحدث أو لا تحدث،أما المصير المحسوم والمحتوم فهو لا يعني سوا الموت