5/17/2022

الأستاذ مزيكا .. عبقرية سمير غانم المخادعة

 من المعتاد أن  تكون الأعمال الفنية التي تظل في ذاكرة الناس هي الأعمال التي بذل مبدعوها مجهودا كبيرا فيها، من كتابة وتحضير وإخراج وابتكار،ولكن تلك القاعدة تجد من يكسرها،فمن الأعمال الفنية التي تحولت لتراث كوميدي مسرحي في مصر، مسرحية الأستاذ مزيكا  من انتاج عام 1978 ومن بطولة سمير غانم  ونوال أبو الفتوح وابراهيم سعفان ومي عبد النبي،والتي يعرفها الجمهور بمسرحية عبد السميع اللميع ، ماسح الأحذية الذي يرغب في دخول مجال السينما فيضطر لانتحال شخصية ملحن مشهور

المسرحية من تأليف "مجدي الابياري" ومن الواضح أنها مقتبسة من واحدة من المسرحيات الكوميدية الفرنسية التي كان يقتبسها المسرح المصري في الثلاثينات والأربعينات، المعتمدة على سوء الفهم وانتحال الشخصية، والتي أعيد اقتباسها مرات عديدة في المسرح والسينما المصريين، كما نشاهد في فيلم "سي عمر" لنجيب الريحاني، القائم على التشابه الشكلي بين فردين أحدهما صعلوك وعضو في عصابة والآخر عمر بك ابن العائلة الثرية الغائب في الهند والذي ينتحل الصعلوك شخصيته، فقصة المسرحية ليست جديدة أو مبتكرة، بل وليست منطقية عندما تم نقلها للعصر الحديث، فليس مقبولا أن لا يعلم أهل فتاة ثرية في الصعيد في السبعينات شكل ملحن مشهور فلقد وصلت الصحف والتليفزيون للصعيد قبل ذلك بكثير.

وثاني العوامل التي لا يًفترض أن تؤدي لنجاح المسرحية هي السرعة والاستسهال في تنفيذها، فمن المعروف أن العمل المسرحي الناجح يحتاج لبروفات عديدة حتى يتقن الممثلون الأداء، ويحفظوا النص ويتفاعلوا مع الشخصيات، ثم لأيام عرض طويلة  يتطور فيها الارتجال لدى الممثلين خاصة في المسرحيات الكوميدية التجارية، وهذا ما لا ينطبق على مسرحية  "الأستاذ مزيكا" التي لم يستغرق عرضها سوى يوم واحد حسب رواية "سمير غانم" في برنامج تليفزيوني وثلاثة أيام حسب رواية الفنانة مي عبد النبي في لقاء إذاعي، وأعتقد أن رواية مي هي الأقرب للواقع حيث كانت تتحدث عن ارتجال سمير غانم وعن تغير ارتجالاته خلال أيام العرض الثلاثة.

فالمسرحية تنتمي لمسرحيات المقاولات التي يتم إنتاجها على عجل، وبدأ ظهورها  في السبعينات بتمويل خليجي من أجل سوق الفيديو،وهو ما انتقل للسينما المصرية في الثمانينات، والغالبية العظمى من أعمال المقاولات سقطت من ذاكرة المشاهدين ومن ذاكرة صناعها ولا يذكرها أحد إلا على سبيل السخرية من مستواها الفني الهابط.

كيف حول سمير غانم الأستاذ مزيكا عن مسارها المنتظر؟ الاجابة بدون مبالغة هي عبقرية سمير غانم في الارتجال،فكما يقول أعجبته  المفارقة بين مهنة البطل كماسح أحذية  ويبدو أنها لمست وترا داخله تماس مع "مزاج رايق" ليحفظ المشاهدون المسرحية ويحبون الشخصية ومواقفها  لسنوات طويلة بعد عرضها تليفزيونيا بشكل غير متوقع

قد تكون العبقرية وسيلتك للتفوق والظهور،ولكنها قد تدفع بك لغرور يدفعك للخلف،وهو المزيج الذي ظهر في مسيرة سمير غانم الذي قاده إعجابه بقدرته الفائقة على تحويل نصوص عادية لمادة ضحك غير عادية من خلال  الارتجال، للاعتقاد بأن ذلك ممكن في كل الأحوال وطوال الوقت، وهو ما أسفر عن كونه واحد من أكثر النجوم مشاركة في أفلام المقاولات التي استنفذت طاقته الكوميدية وهبطت بأسهمه في السينما و أفقدت ثقة الجمهور في جودة الفيلم الذي يحمل اسمه، أما في المسرح الذي كان مشروعه الفني الحقيقي، فلقد ظل أكثر اهتماما بالعروض المسرحية غير التليفزيونية، ولكن كثرة أعماله  ومرور الزمن وتغير أشكال الكوميديا،أدت لاستنفاذ قدراته الكوميدية الارتجالية وتكرار بعضها، وهو ما أدى لهبوط المستوى الفني لمسرحياته بعد "المتزوجون" و "أهلا يا دكتور"، ويصبح اعتماده على السخرية من شكل وملابس المشاركين معه،أو اللجوء لأشكال الضحك القديمة من ارتداء ملابس السيدات والاعتماد على رصيده السابق وحضوره المستمر، فالعبقرية  في الارتجال لن  تكفي وحدها للاستمرار لوقت طويل فغياب إدارتها وعدم الاهتمام بكل عناصر العمل الفني سيجعلها تختفي لسنوات وتظهر اختفت وتظهر في ثلاثة أيام. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق