‏إظهار الرسائل ذات التسميات جمال عبد الناصر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات جمال عبد الناصر. إظهار كافة الرسائل

7/23/2022

التاريخ الشعبي لثورة يوليو

 

لسنوات طويلة اقتصرت كتابة التاريخ على روايات كبار الشخصيات الرسمية والأنظمة الحاكمة والمؤرخين الكبار، ولكن مع بدايات النصف الثاني من القرن العشرين بدأ ازدهار ميدان بحثي جديد وهو "التاريخ الشفاهي" وهو التاريخ الذي يهتم بشهادات شهود العيان عن أحداث شاهدوها أو عايشوها، وعلى الرغم من وجود التاريخ الشفاهي منذ بدايات الإنسان الا أنه لعقود طويلة كان الاهتمام منصبا على التاريخ المدون والمكتوب باعتباره أكثر أهمية ومصداقية من التاريخ الشفاهي.

 

في كتاب التاريخ الشعبي لمصر في فترة الحكم الناصري (رؤية جديدة من وجهة نظر المهمشين) الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يقدم د. خالد أبو الليل وجهة نظر البسطاء والمهمشين في ثورة 23 يوليو من خلال لقاءات موسعة معهم استطاع من خلالها الوصول لرؤية مختلفة وحكايات لا نعرفها عن الفترة بين عامي 1952 و 1970تعطي صورة أكثر قربا لتأثير الأحداث السياسية والتاريخية على القطاع الأكبر من الشعب المصري، مما يجعلنا أكثر فهما لذلك التأثير في الماضي وامتداده في الحاضر والمستقبل.

 

كذلك يمزج الكتاب بين الروايات المكتوبة والحقائق التاريخية وبين شهادات المهمشين لملاحظة الفارق بين الحدث التاريخي وبين روايته الشعبية وما يضيفه كل راوي للحدث طبقا لخياله ومعلوماته ومنطقه وانحيازه لطرف أو لآخر، ومن خلال 4 أحداث رئيسية ، العدوان الثلاثي ، حرب اليمن، النكسة، رحيل عبد الناصر، نستعرض ونحلل  روايات وحكايات المهمشين عنها .

 

مقاومة شعبية في بورسعيد و حرب الفراعنة في اليمن

 

تتعدد الأسباب التي يعتبرها المبحوثون مبررا لعدوان انجلترا وفرنسا وإسرائيل على مصر بين تأميم القناة ومساعدة الجزائر للحصول على استقلالها وصفقة الأسلحة التشيكية وحرب 1948، ولكنهم يجمعون على شراسة المقاومة الشعبية للعدوان في مدن القناة، " البورسعيدية ضربوهم بالفؤوس ، والنسوان كانت بتطلع بغطيان الحلل كانت تدبًح فيهم"صلاح ماضي من المنوفية، وتضيف الحاجة سعاد " ربنا اللي عماهم خالص. ده ساعة ماكانوا بيقولوا البراشوت هتنزل هنا.. قلنا ايه اللي هييجي ندبحه، على طول ساعة ما ينزل سكران نقول له تعالى، اللي مسك شبرق ، واللي مسك فاس، واللي مسك شرشاره،وهمه سمعوا الكلام ده بقوا بيترعشوا، وهمه في بلدهم قالوا ده الشعب اللي هناك هيموتنا مش الجيش".

وتختلف الآراء حول أسباب فشل العدوان الثلاثي هل هي بسالة المقاومة الشعبية أم التهديد الروسي أو رغبة أمريكا في لعب دور سياسي في المنطقة، ويعتبر سيد دسوقي النتيجة انتصارا " احنا انتصرنا في العدوان، علشان احنا اللي مشينا كلامنا، أيوه احنا انضربنا عسكريا، لكن في الآخر فرضنا ارادتنا، وعملنا اللي احنا عايزينه"، بينما يرى مصطفى أبو العينين أن هذا الانتصار السياسي كان وهميا وأضر بالقيادة السياسية ،"من اكبر أخطائنا ان احنا صدقنا الكدبه الكبيرة ديه،ويمكن دا السبب الرئيسي في حدوث النكسة، علشان احنا مانتصرناش، لكن همه اللي انسحبوا في 56. وفارق كبير جدا ما بين الاتنين"

اختلفت النظرة كثيرا لحرب اليمن التي بدأت مشاركة مصر فيها عام 1962، فدخول الجيش المصري الحرب في مكان يبعد آلاف الكيلومترات عن مصر وفي بلد جبلي التضاريس لم يكن متقبلا من الكثير من المصريين وذلك على الرغم من المبررات الرسمية لتلك الحرب  مثل الوحدة العربية ومحاربة الرجعية وأهمية مضيق باب المندب،"كان عاوز يوحد اليمن، اليمن كانت اتنين، وف نفس الوقت ساعة ما يوحدها، نبدأ نعمل وحدة عربية لكل الدول العربية" الحاج سعيد من المنوفية،" فيه حاجة كانت زي قناة السويس، كانت بتسيطر ع البحر.. مش عارف كان اسمه باين باب المندب " فتحي أبو سيف،" لما جات ثورة اليمن، والسعودية.. فالملك فيصل - الله يرحمه- بعت لعبد الناصر، وقال له : ازاي تنصف واحد أبوه حلاق اللي هوه بتاع اليمن مش فاكر اسمه ..على أمير؟ قال له : احنا بنؤيد كل الثورات في العالم".

وكانت المشكلات التي واجهها أفراد الجيش المصري في اليمن عديدة نتيجة لعدم دراسة البيئة والموقف قبل قرار التدخل العسكري، بداية من عدم  وجود اعداد كافي للجنود وعدم فهم طبيعة وثقافة الشعب اليمني، إضافة لمشكلات توفير الغذاء والمياه ووسائل الحياة في الجبال والصحاري،يروي محمد حسين فهيم عن اختيار فراش ريفي للمشاركة في الحرب  دون تدريب أو اختبار" قالوا لي : البس عسكري .. امسك بندقية.. اركب مركب، خدوني حطوني ودوني هناك، وأنا مش عارف رايح فين، وهاحارب مين، وهاعمل ايه"، " وبقوا يسيبونا ف الجبل كده، لا أكل ولا شرب الا المجفف. طبعا وبطننا نشفت من المجفف. مصارينا نشفت في اليمن، كانت التعابين دي. لو لقينا تعبان سمين كده حلو كده ونموته،كان بيبقى كأنك دبحت فرخة ولا بطة" توفيق مهدي سليمان، كذلك استخدم الملكيون الناحية الدينية لمعاداة الوجود المصري باعتبار المصريين " فراعنة" و " كفار" قادمين لاستعمار الشعب اليمني،" كانوا بيسلطوا الشعب بتاعهم، ويقولوا لهم : الناس دي جايين يستعمروكم، واحنا كنا نصلي وندن (نؤذن) علشان نعرفهم احنا..عشان يعرفوا الناس ان احنا مش فراعنه زي ما بيقولوا"، وفي مقابل كل تلك الصعوبة حاولت الدولة إرضاء  الجنود بمنحهم بعض الامتيازات عند عودتهم من اليمن " كانوا بيقولوا لنا : انتوا عايزين أرض ولا عايز يتوظف" ، وكان يتم صرف أجر شهري جنيه واحد لأسرة كل مجند في مصر طوال فترة التجنيد اضافة ل 8 ريالات للجندي في اليمن وعلبة سجائر يومية.وكانت حرب اليمن كما رأى الكثيرون سببا في هزيمة عسكرية كبرى في يونيو 1967.

 

من هو سبب النكسة .. ومن قتل عبد الناصر

 

نظرا لفداحة الكارثة ف 67 كانت الاتهامات بالمسؤولية عن الهزيمة أكثر عنفا من اي حدث آخر منذ يوليو 1952، فالاتهامات وصلت للخيانة العظمى والعلاقات النسائية والفشل التكتيكي، وتوزعت الاتهامات على عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وصلاح نصر والفريق صدقي قائد القوات الجوية، فيقول شعبان محمود من المنيا "أنا أخويا كان في الحرب وساب الدبابة، وعدى القنال، علشان ماكانش فيه قوة عسكرية قوية، ولو كان استنى كان مات، قام ساب كل حاجة وجري، وبعد كده هلل الناس لعبد الناصر، وشيلوها لعبد الحكيم عامر وخلاص، وطلع منها الريس" ، بينما يرى الحاج صبري ، الشرقية أن اخفاء المعلومات عن عبد الناصر هو السبب "كان السبب ف النكسة عبد الحكيم عامر وصلاح نصر، علشان مادرسوش الموقف صح، ولكن مش همه بس.. ولكن كتير من القادة وكان عبد الحكيم عامر هو القائد"، ويرى عبد الناصر من قرية سقيل أسبابا  سلوكية للنكسة "عبد الحكيم عامر ماكانش في وعيه في الايام دي، كان فيه سهرات مختلفة الألوان طبعا. فما كانش داري بنفسه، وكان سايب البلد كده تقلب تعدل.. فسبب النكسة كده"

وبالطبع سوف يؤدي الاختلاف على الشخص الذي يتحمل مسؤولية الهزيمة لاختلاف وجهات النظر في تنحي جمال عبد الناصر ثم عودته للحكم، بين مؤيد لعودة عبد الناصر " لغاية ما جه عبد الناصر وطلع في التليفزيون، وقال أنا اتنحى، وأكون مصري عادي، لأن أنا السبب ف المسؤولية دي كلها. فالناس طبعا طلعت، وقالت : لا تتنحى .. لا تتنحى يا ريس احنا معاك. وابتدا يخطط للمعركة تاني.. وسنة 68 قامت حرب الاستنزاف، والجيش المصري اتحرك"، " ما عملوا مظاهرات، وقالوا له : هتسيب البلد لمين؟! ماحدش. ماكانش فيه بديل ليه يمسك الحكم. لما يبقى فيه رئيس جمهورية عامل مجهود في البلد.. ازاي يسيب البلد ؟! قالوا له : لا يا ريس ماحدش هيمسك البلد الا انت" فؤاد عبد الباسط ، بينما رأى عدد من المبحوثين ان عملية التنحي كانت تمثيلية أو لعبة سياسية لاستعادة الشعبية، "كانت تمثيلية.. والاتحاد الاشتراكي هوه اللي عمل التمثيلية دي، وماكانش فيه تنحي خالص. لو كان عايز يتنحى كان يبعد عن البلد خالص.. كان راح بعيد. كانت تمثيلية ف التليفزيون، وبعد كده اتلموا في الشوارع بالاتحاد الاشتراكي، وقالوا : رجعوه تاني فرجعوه" محمد سعيد من أسوان ، وعلى الرغم من استمرار عبد الناصر في الحكم الا أن النكسة كانت اشارة بنهاية المشروع الناصري قبل 3 أعوام من نهايته الفعلية.

جاءت وفاة عبد الناصر المفاجئة كصدمة للشعب المصري الذي اختلفت أوجه تلقيه للخبر فهناك من بحث في الأسباب المنطقية والمباشرة لوفاته من الناحية السياسية والطبية، " هو كان تقريبا عنده  ايه حاجة في القلب أو السكر تقريبا، لأنه هو أغلب قرايبه هنا عندهم سكر، وراثة يعني ، أغلب عيلته، تلاقي الواحد عنده 40 سنة، وتبص تلاقيه ايه، بدأ ييجي له سكر" عمر أحمد من أسيوط، ويشير الحاج محمد رمضان للأزمة الفلسطينية الأردنية وأثرها "كان فيه موضوع في الأردن كان عايز يسمع حله، ولكنه ماسمعوش .. هو مات بأزمة قلبية، لأنه كان راح المطار يودع أمير الكويت، وبعد ما رجع مات بأزمة قلبية"، بينما اتجه عدد من المبحوثين لنظرية المؤامرة ووفاة عبد الناصر مسموما مع اختلاف الجهة الفاعلة، " عبد الناصر.. كلام ع السمع.. اللي يقول لك : مات مسموم ، واللي يقول لك : كده . لاء قلب ايه؟! تقريبا شرب حاجة، لأن عبد الناصر كان طايح في الملوك"، " كانوا عايزين يسموا الملك حسين قامت الكوباية بتاعته ولا الازازة جات لعبد الناصر "،" سافر روسيا في بلد مش فاكر اسمها ايه. كان عنده تصلب شرايين ومات. فيه ناس بتقول قتلوه ، وناس بتقول سموه"، " كان فيه سم اليهود دسوه عن طريق دكاتره يهود روس. ادوله سم كده بطيء مش سريع المفعول".

وعلى الرغم من الخلافات حول الاتفاق والاختلاف مع عبد الناصر الا ان مشهد الوفاة والجنازة يظل تأثيره العاطفي هو المتغلب على الشعب المصري الذي يمثل له الموت حالة مقدسة ،" الناس كلها بقت زعلانه. ما بقاش حد يدور تليفزيونات، ولا رداوي ولا حاجات من دي. قعدوا سنة على كده، عشانه لما مات" فتحية محمود من الجيزة،" الناس لبست اسود. مصر كلها لبست اسود لما هو مات، لأنه وقته هو كان هوه ايه.. زي الانبيا والرسل، كل نبي يبقى له رسالة"، " احنا شعب عاطفي، لما مات.. الناس كلها زعلت حتى لو كانت مختلفة معاه"، بينما تختلف رؤية البعض للوفاة وهم من أضيروا من بعض سياسات عبد الناصر مثل الاصلاح الزراعي أو النوبيين المضارين من السد العالي مثل محمد سعيد من أسوان "عبد الناصر له وضع عندنا سيء جدا، يعني السد العالي ده خرًب بيوتنا. وأراضينا ماخدناش منهم ولا حاجة. احنا سابونا في الجبل ورمونا ولا ادونا حاجه. ولذلك فيه حساسية بينا وبين عبد الناصر .. ما بنحبش الراجل ده"

من خلال كتاب " التاريخ الشعبي لمصر في فترة الحكم الناصري" نكتشف فجوات كبيرة أحيانا وصغيرة أحيانا بين التاريخ الرسمي الذي نعتقد انه راسخ في الوجدان الشعبي وبين الذاكرة الشعبية للأحداث التي تضيف وتحذف وتعدل كثيرا، وعدم معرفتنا بالتاريخ الشعبي يؤدي لابتعاد النخبة والأنظمة الرسمية عن معرفة حقيقة ما يعتقده وما يريده الشعب ، وهو ما يستدعي المزيد من الاهتمام لسماع كل فئات الشعب ودراسة وتحليل ما تعتقده من أجل صورة أكثر ارتباطا بالواقع بعيدا عن ما نتخيل أنه "ارادة الشعب".

 

 

2/13/2022

صورة لقاتل ابن شقيق جمال عبد الناصر

من مجلة المصور

عمرو عز العرب ابن شقيق الرئيس جمال عبد الناصر قُتل على يد صاحب العمارة التي كان يعيش بها بالاسكندرية، والذي كان يعمل كمهندس استشاري طعنا بالسكين، ولا يبدو سبب الجريمة واضحا هل كان المالك يحاول طرد ابن الرئيس من شقته المستأجرة، أم انه كان غاضبا من قوانين الايجار التي صدرت في عهد عبد الناصر

*الخبر من مجلة المصور عام 1982



 

2/12/2022

مذيع هزيمة يونيو 1967 : السادات ارتكب نفس جريمة صدام حسين

ارتب ط  اسم مذيع صوت العرب “أحمد سعيد” بهزيمة 5 يونيو بسبب بياناته الشهيرة عن


نجاح مصر في إسقاط عشرات الطائرات الاسرائيلية، وبالغ الكثيرون واعتبروه من أسباب الهزيمة متجاهلين أنه كان مجرد ترس في نظام كامل عاش على الكذب والتضليل والصوت الواحد لمدة 13 عاما، ولم تكن الهزيمة سوى الصخرة التي تحطمت عليها أوهام النظام الناصري كله.

بعد غياب طويل عن الاضواء ومع النصف الثاني من التسعينات عاد أحمد سعيد للظهور في بعض الصحف والمجلات مثل “الدستور”و “الأهرام العربي” التي أجرى معها حوارا عام 1998مع الصحفي أشرف صادق تحت عنوان “أنا ميت منذ 5 يونيو 1967” ويحكي فيه سعيد بدايته مع الاذاعة المصرية عام 1950 وتغطيته لعمليات الفدائيين للقناة بصورة حماسية ، مما ادى لاستبعاده من الاذاعة بعد حريق القاهرة بسبب اعتبار تغطيته الحماسية قد أثارت الجماهير و دفعتهم لعمليات التخريب، والغريب أنه رغم اعتراف سعيد بدور رسائله الاذاعية بالشحن ضد الاحتلال والملك إلا أنه يرى أن الهدف من الحريق هو وقف الكفاح المسلح ضد بريطانيا والتخلص من حكومة الوفد،ومن هنا نلاحظ بداية التفسير المؤامراتي للأحداث وهو ما سوف يتطور مع الوقت مع نظام يوليو، فحريق القاهرة الذي لم يثبت وجود جهة مدبرة له جاء كرد فعل شعبي بعد قتل القوات البريطانية لعشرات من رجال الشرطة المصريين في 25 يناير 1952.

عبد الناصر ..الحلم والزعيم والديكتاتور

لا ينفي سعيد نشأة اذاعة صوت العرب  على يد جهاز المخابرات المصري ويرى أن ذلك أمر طبيعي في ذلك الوقت كارتباط الاذاعة البريطانية واذاعة “صوت أمريكا” بالمخابرات البريطانية والأمريكية، ويفخر سعيد بالدور الذي قامت به “صوت العرب” في تحرير الجزائر وغيرها من القضايا العربية، ويعترف أن حرب 56 كانت بمثابة هزيمة عسكرية تحولت لنصر سياسي وأنه كان يذيع البيانات العسكرية الكاذبة في 56 و67 للحفاظ على تماسك الشعب كجندي يقوم بتنفيذ التعليمات العسكرية، وأنه لم يكن الوحيد الذي يكذب بل جميع الصحف كانت تفعل ذلك أيضا.

تبدو علاقة سعيد بعبد الناصر ملتبسة ومتناقضة، فلقد تم فرض رقابة على ما يقوله في الإذاعة بعد اذاعته للحقائق حول الهزيمة في 13 يونيو 67 ثم إجباره على الاستقالة من الاذاعة رغم وعد عبد الناصر السابق له بأنه سيعيش ويموت مديرا لصوت العرب مدى الحياة، وكانت رؤيته أن الهزيمة لم تكن هزيمة جيش بل هزيمة نظام، وأن عبد الناصر يشترك في المسؤولية عن الهزيمة بجانب المشير عامر الذي ربما يكون قد قُتل أو انتحر، وأن تنحي عبد الناصر كان “عملية محسوبة”، الا أنه في نفس الوقت يظل متمسكا بحلم الوحدة العربية وبأن عبد الناصر قد حقق هذا الحلم رغم وجود أخطاء وفشل، ويتاثر عندما يحكي عن لقاء جمع بينهما فتمتزج دموعه بضحكته الحزينة ويقول “يقولوا ديكتاتور يقولوا عسكري يقولوا بتاع نكسة 67، هذا شيء وزعامته وبطولته شيء آخر”.

بينما يبدو على العكس تماما في تقييمه للسادات فيرى أن نتائج حرب أكتوبر 73 كانت اكثر خسارة من يونيو 67، ففي يونيو هًزمنا ولكننا في 73 ” لا اقول انتصرنا بل عبرنا وهم أيضا عبروا الى غرب السويس, وماذا عن نتيجة العبور ..اعترفنا باسرائيل..هل هذا نصر؟”, ويعتبر أن السادات قد ارتكب جريمة مماثلة لجريمة صدام بغزو الكويت وهي جريمة زيارة القدس ومعاهدة كامب ديفيد وأن تداعيات الجريمتين عبارة عن صورة طبق الأصل.

يعبر أحمد سعيد عن مشكلة من اختصروا مشكلة الأنظمة الشمولية القومية الديكتاتورية في هزيمة عسكرية أو اخطاء فردية، فربما كان من الممكن تفادي الهزيمة لسبب أو لآخر، ولكن المؤكد أن تلك الأنظمة كانت تحمل نهايتها في داخلها وفي أسس نشأتها من ديكتاتورية وكذب وتعبئة الشعوب وسيادة الرأي الواحد والقضاء على المعارضة، وهو ما أدى لكوارث مختلفة للأنظمة المشابهة، أنظمة البعث في سوريا والعراق ونظام القذافي في ليبيا، وصولا للاتحاد السوفيتي الذي تفكك دون حرب مباشرة، ولم يدرك الكثيرون حتى الآن أن الاعلام الصانع لفكرة الزعيم الملهم و تحكم الأجهزة الأمنية وكبت الحريات وسجن المعارضة هو المنبع الكبير لكل الانتكاسات والمصائب المستمرة.


1/21/2022

جمال عبد الناصر زعيم الطلبة وقاتلهم


في عام 1968 عام الثورات الطلابية في مختلف دول العالم وأشهرها حركة الطلاب في فرنسا , وتواكبت معها حركة للطلاب في الولايات المتحدة وايطاليا وصولا لليابان شرقا , لم يكن تأثير هذا الحراك بعيدا عن الطلبة في مصر حيث ساهمت هزيمة 1967 في اهتزاز الصورة التي صدرها نظام عبد الناصر للشعب على مدار سنوات طويلة, ليصل غضب الطلبة المصريين الى ذروته بعد أحكام الطيران الهزلية التي اعتبرها الطلبة والعمال تمثيلية لعدم محاسبة المسئولين الحقيقيين عن الهزيمة.وكانت مظاهرات الطلبة في فبراير 1968 هي بداية لحراك طلابي سوف يستمر لسنوات عديدة ,وكما يروي دكتور أحمد عبد الله رزة في كتابه الطلبة والسياسة في مصر فقد أسفرت هذه المظاهرات التي انطلقت في القاهرة والاسكندرية عن مقتل اثنين من العمال في القاهرة ,كما تم تنظيم اعتصام طلاب في كلية الهندسة بجامعة القاهرةلم ينته الا مع استدعاء أجهزة الأمن لأولياء أمور الطلبة للضغط عليهم وكذلك تقديم الطلبة بمطلبهم لرئيس مجلس الامة , ومع رفض رئيس مجلس الأمة لنشر بيان بمطالب الطلبة في الصحف , كتب الطلبة شعاراتهم على جدران كلية الهندسة " يجب إنهاء حكم المباحث والمخابرات " , " تسقط دولة المباحث " , " تسقط صحافة هيكل الكاذبة " , " لا حياة مع الإرهاب , ولا علم بلا حرية " , " القضية ليست قضية الطيران بل قضية الحريات " .ومانت هتافات المتظاهرين تصل لمعارضة النظام وعبد الناصر بشكل مباشر " تسقط دولة المباحث " , " تسقط دولة العسكريين " ,"هيكل هيكل ياكداب .. بطل كدب يانصاب " , "ياجمال للصبر حدود .. عشرة يونيو مش ح تعود " , " 9 يونيو أيدنالك .. والنهاردة عارضناك " .
وعقب انتفاضة الطلبة قام عبد الناصر بالقاء خطاب في منطقة حلوان مزج فيه بين تقديره لغضب الطلبة من الهزيمة وبين الاتهام المعتاد بوجود عناصر مندسة " أنا بقول أن العملية بدأت عملية تلقائية هنا فى حلوان . وبدأت عملية تلقائية فى الجامعة . لكن بعد كده العملية ما أصبحتش عملية تلقائية .. انا برضة باقول لاخواننا الطلبة فى الجامعة قبل ما تنقاد وراء أى شعار شوف مين إللى بيردد هذا الشعار , ما كل واحد ليه أوضاع طبقية . طبعاً فيه ناس اتاخدت املاكهم وفيه ناس اتاخدت اراضيهم , وفيه ناس اتأممت مصانعهم , ودول أولادهم موجودين فى أوساطنا .. الرجعية اتحركت ازاى ؟ حاولوا استغلال مظاهرات الطلبة , ورفعوا شعارات الحرية والديموقراطية"
وفي نوفمبر 1968 يروي الدكتور هشام السلاموني في دراسته الجيل الذي واجه عبد الناصر والسادات ..دراسة وثائقية للحركة الطلابية 1968-1977, بدات مظاهرات طلاب الثانوي في المنصورة وذلك احتجاجا على قانون التعليم الجديد الذي كان يضع قيودا جديدة على الالتحاق بالجامعة ,وامتدت المظاهرات للمعهد الديني في المنصورة ليصل عدد المتظاهرين الى ألفين, وتتم مواجهة المظاهرة بالرصاص ويسقط اربعة قتلى من المتظاهرين , ليصل الخبر الى طلبة جامعة الاسكندرية عن طريق الطلبة من أبناء المنصورة.
ويروي اللواء مصطفى الحناوي قائد سلاح الطيران عام 1968 للدكتور هشام السلاموني عن أحداث خطيرة حدثت خلال المظاهرات عندما اتصل به الفريق محمد فوزي القائد العام للقوات المسلحة ويدور الحوار التالي
" قال محمد فوزي:
- اللواء مرسي في إسكندرية طلع بالقوات بتاعته عشان يفرق مظاهرات الطلبة ماقدرش، أنا باديك أمر أنك تفرق المظاهرات دي بضرب النار من طائرات الهليوكوبتر .. "الفريق فوزي قال كده وأنا الدم غلي في دماغي ماحسيتش بنفسي.." قلت:
- يانهار أسود .. سيادتك بتقول إيه .. نضرب الطلبة بالرشاشات المثبتة في الهليوكوبتر (تعديل لنا أجريناه في الهليوكوبتر ـ وعاوننا فيه أحمد فهيم الريان) أنت عارف سيادتك النتيجة ح تبقى إيه .. ح تبقى مجزرة .. حتبقى سلخانة ..
الطلقة 37 مللميتر .. مش ح تصيب واحد .. في الزحمة ممكن تصيب عشرة ورا بعض .. دققتين أمشيهم فوق شارع أبو قير وشيط واحد أخلصه (ألف طلقة هي الحد الأدنى) ونبقى محتاجين الجيش الثالث عشان يشيل الجثث .. إحنا جايبين الطيارات نحارب بيها إسرائيل والا نضرب بيها ولادنا.
قال محمد فوزي :
- دي أوامر السيد الرئيس جمال عبد الناصر .. السيد الرئيس بيقول إن مظاهرات الطلبة الغرض منها إسقاطه .. ويطلب منا مساندته."
ليرفض اللواء مصطفى الحناوي تنفيذ الأوامر ويعلن استعداده للمحاكمة العسكرية فقد رأى أنه لن يقوم بالمشاركة في مذبحة تُكتب في التاريخ مثل مذبحة القلعة ومذبحة كوبري عباس , واستشهد اللواء الحناوي باثنين من قادة الطيران ليؤكدا صحة ما قاله لهشام السلاموني , وكان جزاء اللواء الحناوي هو اطاحة عبد الناصر به بعد انتهاء المظاهرات لعدم مساندته.
"الى أبناء الجامعة..
في ذكرى ميلاد الزعيم..
نقدم أقواله الخالدة..
تمجيدا وذكرى.
اتحاد طلاب جامعة القاهرة
15 يناير 1971
هكذا كان الاهداء في مقدمة كتاب "الزعيم" الصادر عن اتحاد طلاب جامعة القاهرة عام 1971,الكتاب الذي يحتوي على مقولات جمال عبد الناصر عن الديموقراطية ,الاشتراكية,الشباب,الوحدة,السلام وعدم الانحياز ,الكتاب الذي يضفي هالة من الزعامة والحكمةعلى الرئيس الراحل , والصادر عن اتحاد الطلاب لا يمكن اتهام من أصدروه بالنفاق فلقد مات الرئيس, ولكن السؤال هو كيف ينسى أو يتناسى الطلبة ماحدث من قمع للحركات الطلابية في عهد عبد الناصر ومواجهة مظاهراتهم بالعنف الذي يصل للقتل , ويصبح الرئيس الراحل "زعيما" نسترشد بمقولاته وكلماته.
"يبقى الشعب لازم يتسلح بالوعي,علشان مينضحكش عليه,علشان يبني الديموقراطية السليمة,علشان يقيم العدالة الاجتماعية,ويقيم الاشتراكية في كل أنحاء البلد"
جمال عبد الناصر ..من كتاب "الزعيم"
قد يكون سبب تمسك بعض الطلبة بعبد الناصر كزعيم هو مشروعه الاشتراكي وسعيه نحو العدالة الاجتماعية , وفي هذه الحالة يقلل المؤيدون من أهمية حقوق الانسان ويبررون جرائم القتل والتعذيب أو يعتبرونها أضرارا جانبية لما هو أهم.ولكنهم يدركون لاحقا أهمية حقوق الانسان ويطالبون بالحرية والديموقراطية عندما يأتي السادات للحكم ويكتشفون أن توجهاته الاقتصادية والاجتماعية مخالفة لتوجهات عبد الناصر .
السبب الآخر هو تحول عبد الناصر بعد وفاته لأسطورة , وهو ما تساهم فيه أجهزة الاعلام وكتاب التاريخ , فكما يشرح هوارد زن في كتابه "التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأمريكية" فان التاريخ تتم كتابته من أعلى ويصبح الحكام أبطالا وأصحاب انجازات , ويتم تجاهل الجرائم التي تمت ضد فئات من الشعب بمباركة وتنفيذ الاجهزة التابعة للرئيس , فيصبح عبد الناصر هو قائد ثورة يوليو وصاحب انجازات التصنيع والسد العالي ويتم تناسي جرائمه ضد المعارضين والعمال والطلبة.
أيضا هناك شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" ففي عام 1971 كانت سيناء لا تزال محتلة , وهو ما قد يدفع بعض الطلبة بأن يقوموا بتقديس الرئيس الراحل وعدم ذكر سلبياته بدعوى أن ذلك سوف يضر بالجبهة الداخلية وسوف ينال من الروح المعنوية للشعب , بينما الحقيقة هي أن التغاضي عن جرائم الزعماء هو ما يقود الأوطان للهزائم والكوارث.